عن المجتمع المدني والمرأة في المرحلة الانتقالية 

غسان المفلح – كاتب وسياسي 

الاهتمام بالشأن العام لا يكون في الحقل السياسي وقواه وصراعاته فقط، بل يتعداه إلى الاهتمام بما يمكننا تسميته الوضعية المجتمعية بكليتها وتفاصيلها. نحن في الواقع السوري الانتقالي نعيش أزمة مركبة نتيجة لما فعلته الأسدية بالبلد على مدار ستة عقود تقريباً.

هذه المرحلة تركت البلد محتلة دولياً وإقليمياً، وكل احتلال له قواه المعبرة عنه في الواقع السوري، التي فرضت بقوة هذه الاحتلالات. الاحتلالات التي أتت لتحتل الثورة السورية. ما يمكننا تسميته ببساطة الوضعية الأوبامية.

انتظام الحقل السياسي من جديد، لا يمكن ان يتم ببساطة في بلد تمت شرذمتها إثنياً وطائفياً ودينياً. حتى تاريخ 8 . 12 . 2024، كانت البلد فيها قوى أمر واقع مسلحة لا توافق بينها. كان هنالك منطقة يسيطر عليها الأسد ومعه روسيا وإيران، ومنطقة تسيطر عليها قسد باحتلال أميركي مباشر تحت عنوان “التحالف الدولي لمحاربة داعش” تواجهها فصائل انضوت في الحماية التركية. إضافة لفصائل السويداء العسكرية. أما هيئة تحرير الشام، فكان لها وضعيتها الخاصة. هذه الوضعية كتبت عنها كثيرا في مواد خاصة منذ عام 2018.

هذه المقدمة تشير إلى أننا انتقلنا إلى بلد بعد تحريره من النظام الساقط، إلى ما يشبه مناطق أمر واقع مسلحة. حيث اختلطت هذه القوى المسيطرة على هذه المناطق بظهور بنية أسدية فلولية. هذه البنية الأسدية تعمل بشكل دؤوب على خلط الأوراق، وتستهدف استقرار البلد. سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الثقافي، مستفيدة من وجود هذه المناطق المسلحة.

وجدنا أنفسنا أمام قيام تحالفات جديدة للبنية الفلولية، ما كان ممكناً أن تحدث أيام النظام الساقط. تحالفات لها نكهة طائفية. ترفع شعارات مناهضة للسلطة الحالية في دمشق، تحت حجج وذرائع شتى. تم هذا منذ الشهر الأول للتحرير.

قبل أن أصل الى الحديث عن المجتمع المدني ودور المرأة في الحياة السياسية والمدنية الجديدة، لا بد من المرور على سقف الحرية في المناطق التي تسيطر عليها السلطة. هذا السقف مهما حاولنا الحديث إيجابيا عنه، لكنه يبقى معلقا في الفراغ ما لم يتقونن ويحمى دستوريا. هذه البداية لتشكل مجتمع سياسي ومدني صحي.

لهذا، فإن الكتابة لصحيفة سورية حكومية بالنسبة لي أمر كان خارج توقعي، كان يمكن أن يكون جزءاً من حلمي بأن أكتب من موقعي كمعارض. لخوفي من الاصطدام بحرية التعبير المعلقة في الفراغ كما ذكرت. هل أستطيع الكتابة لاحقاً مثلاً عن الخيار الكارثي بتدخل دمشق العسكري في السويداء وما نتج عنه من جرائم، بمناسبة المؤتمر الصحفي للجنة التحقيق في الجرائم التي حدثت بالسويداء؟ هل يحق لي المطالبة كما طالبت دوما منذ يوم السقوط، بفصل مسار التفاوض مع قسد عن المسألة الكردية في سورية؟ هذا الفصل الذي يتم عبر تقديم تصور أولي عن حل للمسألة الكردية في سورية، يتضمن الحقوق التي تنص عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وملحقاتها؟

هذه البداية التي من شأنها خلق مجتمع مدني وسياسي صحي، تصطدم بإبعاد المرأة عن النشاط الحكومي إلا ما ندر. القضية الإيجابية في هذا المضمار هي الورشات المدنية التي بدأت في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، منتديات ولقاءات وجمعيات أهلية ومدنية في القرى والمدن التي فيها نشاط ملحوظ للعنصر النسائي. هذا غير متوفر في بقية المناطق. لأن في هذه المنتديات على الأقل أصوات معارضة واضحة وجذرية للسلطة في دمشق. هذا لا يمكنه أن يحدث الآن مثلا في السويداء، ولا في مناطق قسد ولا في مناطق فصائل الشمال. هذه الورشات هي رهان حقيقي على مستقبل البلد. رهان حقيقي على حماية البلد من تغول المستوى السياسي.

الورشات الشبابية التي أتابعها في بعض المناطق كحلب وحمص ودرعا وغيرها، تبعث الأمل في نشوء مجتمع مدني صحي. لكن هل يمكننا الحديث عن مجتمع مدني دون مشاركة نسائية واضحة على مستوى البلد؟ هذا الأمر في الواقع يجد معوّقا له أن هنالك أطرافا في السلطة لا تريد هذه المشاركة للمرأة. من جهة أخرى، لا يمكن نشوء مجتمع مدني صحي تحت حكم حزب واحد أو تجمع سياسي واحد أو لون واحد مجتمعي. لهذا، مطلوب قانون أحزاب على وجه السرعة ينظم عمل المجال السياسي. المجتمع المدني يحتاج لإبعاد السلاح عن الشارع.

المشكلة التي تواجه البلد أيضا هو ما يمكننا تسميته الماضي الجهادي للحاكمين في دمشق. هذا الماضي الذي بالنسبة لي صار ماضيا بالنسبة للطاقم المصغر للحكم على الأقل وفقا لمعلوماتي المتواضعة. هذه السمة يتم إنهاء حضورها في أذهان الرأي العام عبر تمكين المرأة والمجتمع المدني السوري بشكل أساسي.

لهذا، مهمة الحكومة الحالية تسهيل قانوني ودعم هذه النويات المدنية التي تنتشر، من خلال السماح للبلديات في القرى والمدن بدعم هذه النويات وفقا لقوانين واضحة.

مثل هذه العناوين يمكن أن يكتب عنها لاحقا بتفصيل أكثر، الغاية منها هي رفد الأجيال الشابة بمهام ملقاة على عاتقها من أجل حصانة البلد من أي تغول سياسي.

أيضا سأضرب مثالا: في تعيين مجالس النقابات هل أخذ بعين الاعتبار مثلا كم عدد الصحفيات أو المحاميات أو الطبيبات في نقابتهن لكي يكون لهن تمثيل وفق أعدادهن على الأقل، طالما أن الموضوع ليس انتخابا بل تعيينا. وهذا لم يجر للأسف.

بقي نقطة لا بد من الإشارة إليها، وهي عملية التشبيك في النشاطات المدنية بين الأرياف والمدن السورية كلها. أدرك أن هنالك معوقات سياسية وفصائلية، لكن يجب أن يبنى المجتمع المدني السوري وعملية تمكين المرأة من خلال نويات عابرة للأديان والطوائف والإثنيات والسياسات. مرة أخرى هذه الأماني موجهة للأجيال السورية الشابة.

دعونا نستفد من هذه الحمولة الدولية بقيادة المايسترو الأميركي لإنجاح التجربة الانتقالية في سورية.

آخر الأخبار
وزارة الصحة تتسلم 16 سيارة إسعاف مجهزة.. وأولوية التوزيع للمناطق الأشد حاجة اثنان منهم عملا على الملف السوري.. الإعلان عن الفائزين بجائزة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لعام 2025 حمص تستعيد هدوءها.. رفع حظر التجوال واستئناف الدوام المدرسي عن المجتمع المدني والمرأة في المرحلة الانتقالية  ضمن نتائج حملة "فداءً لحماة".. المحافظة تطلق مشاريع خدمية لتمكين عودة الأهالي اعتقال 120 متورطاً باعتداءات حمص والداخلية تعلن إنهاء حظر التجول مدير الشؤون الصينية في وزارة الخارجية: إعادة فتح سفارة الصين بدمشق مطلع 2026 من بداية 2026.. سوريا والأردن يتفقان على توسيع التبادل التجاري دون استثناء الجناح السوري يتصدّر "اليوم الثقافي" بجامعة لوسيل ويحصد المركز الأول السيدة الأولى تحضر قمة "وايز 2025" في أول نشاط رسمي لها سوريا والجامعة العربية.. عودة تدريجية عبر بوابة التدريب العسكري دمشق تحتضن ملتقى الموارد البشرية.. مرحلة جديدة في بناء القدرات الإدارية في سوريا  الخارجية تستقبل أرفع وفد سويدي لمناقشة ثلاثة ملفات توغل إسرائيلي جديد في ريف القنيطرة وعمليات تجريف واسعة في بريقة لتعزيز الجودة القضائية.. وزير العدل يشارك بفاعلية في الرياض أردوغان: أنقرة لا تحمل أي نزعة للتوسّع في سوريا جيل بلا آباء.. تداعيات غياب الرجال على البنية الاجتماعية والأسر في سوريا ترخيص أكثر من 2700 منشأة خلال تسعة أشهر بلودان والزبداني تعيدان ابتكار السياحة الشتوية.. الطبيعة أولاً والثلج ليس شرطاً "استثمار تاريخي بقيمة أربعة مليارات دولار".. توقيع العقود النهائية لتحويل مطار دمشق الدولي إلى مركز ...