الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
لطباعة كتاب في أيام نظام بشار الأسد، كان علينا أولاً أن نفكر في الرقباء، هل كان الكتاب سياسياً بطبيعته؟ إلى وزارة الإعلام، هل كان كتاباً دينياً؟ إلى وزارة الأوقاف، هل كان كتاباً أدبياً؟ إلى اتحاد الكتاب العرب.
كانت كل هذه الكتب واجهة لأجهزة الأمن السورية، التي كانت تدرس العناوين المقترحة بعناية، وفي أفضل الأحوال توافق على الكتاب مع تصحيحات شاملة سطراً بسطر، أو في أسوأ الأحوال ترفض الكتاب بالكامل.
“كنا نتعرض لمداهمات منتظمة، لذلك لم يكن بوسعنا نشر أي شيء من دون موافقة، لأننا والمؤلف كنا نتعرض للعقاب”، هذا ما قاله وحيد تاجا، أحد موظفي دار الفكر، إحدى أبرز دور النشر في دمشق، والتي تأسست عام 1957.
على مدار مسيرته المهنية التي استمرت 25 عاماً في دار الفكر، تزايد عدد الكتب المحظورة في مستودعات وحيد تاجا.
كان نظام الأسد متقلباً، لذا كان موظفوه يسحبون الكتب باستمرار من المتجر ويخزنونها في المخازن.
عندما أطاحت المعارضة بالرئيس السوري السابق في هجوم خاطف دام 11 يوماً في أوائل كانون الأول، فكر تاجا على الفور في تلك الكتب التي تراكم عليها الغبار، ولم يقرأها منذ سنوات. ففتح صناديق الكتب واحدة تلو الأخرى، والتي كان من المفترض أن محتوياتها خطيرة، وأعادها إلى رفوف دار الفكر.
أدهم شرقاوي، الذي اعتبرت كتاباته عن الإسلام مثيرة للجدل؛ وبرهان غليون، المفكر السوري والناقد القديم لنظام الأسد؛ وباتريك سيل ، الصحفي البريطاني البارز الذي كتب عن عائلة الأسد؛ يمكن العثور على كتبهم مرة أخرى في ممرات المكتبات في دمشق.
كما تم طرح الكتب الموجودة في المنطقة الرمادية، والتي لم تكن محظورة أو معتمدة وكان لابد من طلبها بالاسم من خلف المنضدة.
ومن بين هذه الكتب روايات خالد خليفة، المؤلف الذي عاش في دمشق حتى وفاته في عام 2023، والتي كانت قصصه – التي طبعت في بيروت وأحضرت إلى دمشق – جريئة بشكل غير عادي في انتقادها الخفي لنظام الأسد.
كان أحد الكتب التي لم يتم حظرها قط هو رواية جورج أورويل “تسعة عشر وأربعة وثمانون”، على الرغم من أوجه التشابه الصارخة بينها وبين جهاز الأمن الشمولي لنظام الأسد. كانت نظرية تاجا حول سبب السماح ببيع الرواية بسيطة: “أرادوا منا أن نتخيل أنهم يتمتعون بنفس القدرات، وأن يراقبونا أينما ذهبنا”.
مع رحيل نظام الأسد، لم يعد كتاب أورويل يشكل تهديداً، بل أصبح مجرد تذكير بما كان عليه الحال في الماضي.
يقول تاجا: “الآن أصبحنا أحراراً، ولم يعد لدينا أي خوف.. لقد أصبح الأمر مختلفاً تماماً، وأصبح الجميع يشعرون براحة أكبر”.
في إكسليبريس، وهو متجر لبيع الكتب باللغة الإنجليزية منذ 23 عاماً ويقع في حي راقي في دمشق، لاتزال المجموعة الواسعة من الكتب التي يضمها المتجر تحمل علامات سيطرة نظام الأسد. فقد تم شطب أسعار جميع الكتب المستوردة ـ لتجنب الاشتباه في التعامل بالعملات الأجنبية، وهو ما قد يؤدي إلى عقوبة السجن قبل أكثر من شهر بقليل.
ولم تستقبل المكتبة أي كتب جديدة منذ عام 2019، وذلك بفضل شحنة ضخمة جلبتها صاحبتها ريما سماقية هدايا خلال معرض الكتاب الدولي الأخير في البلاد.
وكانت السلطات السورية ٱنذاك أكثر تساهلاً في السماح بدخول الكتب خلال معارضها الدولية، لاستيعاب دور النشر الأجنبية.
كانت كل العناوين الموجودة على رفوف مكتبة إكسليبريس ـ من هاري بوتر إلى نعوم تشومسكي ـ قد حظيت بموافقة الإدارة السابقة، ولم تكن هدايا ترغب في تعريض نفسها أو موظفيها للخطر.
وأضافت هدايا: “الآن بعد أن نشعر أننا نستطيع التنفس، لم نعد نشعر بالقلق من أنهم سيأتون ويلاحظون ربما كتاباً واحداً به علامة جنيه أو دولار نسينا مسحه”.
المصدر: The Guardian
صحيفة – الثورة

التالي