الثورة – سومر الحنيش:
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، يعود الجدل حول اقتصاد السوق المفتوح كخيار بديل للخروج من دوامة التراجع الاقتصادي، وسط تساؤلات عن مدى قدرة هذا النموذج على تحقيق الاستقرار وتحسين الظروف المعيشية، فهل يمكن للسوق الحر أن يكون الحل؟، أم أن التحول إليه في ظل الظروف الحالية قد يزيد من الأعباء على المواطنين؟.
اقتصاد السوق: الفرصة والتحدي
يعتمد اقتصاد السوق على تحرير الأسعار، تقليل تدخل الدولة، وتحفيز المنافسة والاستثمار، وهي خطوات قد توفر فرصا للنمو الاقتصادي، لكنها في الوقت ذاته تحمل مخاطر في بيئة غير مستقرة.
مزايا الانتقال إلى اقتصاد السوق المفتوح كثيرة وأبرزها جذب الاستثمارات وتحفيز القطاع الخاص كما يؤكد الخبير الاقتصادي محمد العلي الذي يضيف:“الاقتصاد المغلق دمر البلاد، تحرير السوق سيجذب مستثمرين سوريين وعربا، ويخلق وظائف لملايين العاطلين.
ويضيف: المنافسة بين الشركات ستحسن جودة الخدمات وتكسر احتكار السماسرة لاحقا، وما نشاهده لانتشار البضائع الرديئة في الأسواق الآن هو بسبب جشع التجار أولاً، وتعطش السوق لأي منتج مستورد.
وبحسب الخبير الاقتصادي الأمر الآخر وهو تقليل الضغط على الدولة في ظل العجز المالي الذي تعاني منه الحكومة بسبب تركة النظام البائد، فيمكن للاقتصاد الحر أن يخفف الأعباء المالية، حيث يتولى القطاع الخاص دورة أكبر في توفير الخدمات والاستثمارات.
التحديات والمخاوف من التحرير الاقتصادي
في شارع الحريقة بدمشق، يتحدث محمد عمر، وهو أب لخمسة أطفال، بصوت مرتجف: الأسعار بارتفاع، والمنتجات التي نراها بالأسواق ذات جودة سيئة”، كلماته تعكس مخاوف خبراء مثل الباحث الاقتصادي خالد نور الدين الذي قال: فتح السوق دون وجود رقابة فعالة قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ودخول بضائع بجودة ضعيفة، وهو ما سيزيد من معاناة المواطن العادي، الذي يعاني أصلًا من ضعف القدرة الشرائية، فأكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، وبنية تحتية مدمرة، ونظام مصرفي هش، فكيف سيتعامل المواطن الذي بالكاد يمسك برغيف خبزه مع إلغاء الدعم وارتفاع الأسعار؟.
ويضيف نور الدين : في ظل وجود قلة من رجال الأعمال والشركات الكبرى التي تسيطر على الأسواق، فإن تحرير الاقتصاد قد لا يؤدي إلى المنافسة، بل إلى احتكار السوق من قبل فئة محددة، مما يضر بالمستهلك.
اقتصاد سوق تدريجي بدلاً من التحرير الفوري
يرى العديد من الخبراء أن الحل الأمثل هو الانتقال التدريجي نحو اقتصاد السوق بدلاً من التحول المفاجئ، وذلك عبر: الإصلاح التدريجي للقطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، لضمان توافر السلع قبل تحرير الأسعار، وإيجاد برامج حماية اجتماعية للفئات الأكثر ضعفا، مثل تقديم دعم مباشر للأسر المحتاجة، وتعزيز الرقابة ومنع الاحتكار لضمان منافسة حقيقية في السوق وعدم استغلال التجار للوضع الاقتصادي، وتحسين بيئة الاستثمار من خلال قوانين واضحة تحفز رجال الأعمال دون تعقيدات بيروقراطية.
هل اقتصاد السوق هو الحل؟
اقتصاد السوق ليس حلا سحرياً، بل سلاح ذو حدين، يمكن أن يسهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري وجذب الاستثمارات، لكنه يحتاج إلى إصلاحات عميقة وتخطيط مدروس لضمان عدم تحوله إلى أداة تزيد من الفقر والاحتكار.
المطلوب الآن هو مرحلة انتقالية ذكية تجمع بين تحرير مدروس للاقتصاد، وحماية اجتماعية، وإصلاح مؤسساتي، بحيث تتحول سوريا إلى اقتصاد أكثر قوة واستدامة، من دون أن يدفع المواطن البسيط الثمن الأكبر في هذه العملية.
#صحيفة_الثورة