الثورة – سومر الحنيش:
منذ سنوات، تعيش الرياضة السورية تحت وطأة الفساد والمحسوبيات، حيث تحولت الأندية والاتحادات الرياضية إلى إقطاعيات مغلقة، تديرها مجموعات نافذة، بعيداً عن أي رقابة أو شفافية، عقود استثمارية توقّع في الخفاء، أموال تهدر، قرارات تُفصّل على مقاس أشخاص محددين، والنتيجة: رياضة تحتضر، أندية مفلسة، واتحادات رياضية فاشلة لا تقدم أي تطوير حقيقي.
السؤال المطروح اليوم: كيف يمكن القضاء على هذه “المافيا الرياضية”؟ وهل تكون الحوكمة هي الحل لإعادة بناء قطاع رياضي قائم على الشفافية والعدالة؟
مافيا الرياضة
عندما نتحدث عن “مافيا الرياضة”، فنحن لا نبالغ، كان هناك شبكة من المسؤولين الرياضيين، المستثمرين الفاسدين، وبعض رجال الأعمال تسيطر على مفاصل الأندية والاتحادات، حيث يتم تمرير عقود استثمارية بأقل من قيمتها الحقيقية، وتوزع المناصب وفق المصالح الشخصية، وليس بناءً على الكفاءة.
عقود استثمارية وهمية
في أحد الأندية الكبيرة بدمشق، تم توقيع عقد استثمار منشآت النادي مع مستثمر “مقرب” من أحد أعضاء الإدارة، بمبلغ لا يتجاوز خمسين مليون ليرة سنوياً، في حين أن التقديرات تشير إلى أن العائد الحقيقي كان يمكن أن يتجاوز مئتي مليون!.
نادٍ آخر أضاف إلى قائمة الفريق المسافر الذي مثّل سوريا خارجياً عشرة أشخاص مقربين من رئيس النادي من الذين ليس لهم أي علاقة رياضية، والهدف كان تهريب مبالغ مالية إلى إحدى الدول.
صفقات لاعبين مشبوهة
في عام (٢٠٢٢) تعاقد أحد الأندية مع لاعب بمبلغ (٢٥٠) مليون ليرة سورية، رغم أن مستواه الفني لا يستحق أكثر من خمسين مليوناً، ليتبيّن لاحقاً أن الصفقة تمت بوساطة أحد أعضاء الاتحاد الرياضي، الذي حصل على نسبة من العقد كـ”عمولة”.
التلاعب بالانتخابات
في أكثر من مناسبة، تم إقصاء شخصيات رياضية كفوءة من الترشح لرئاسة أندية واتحادات، لمجرد أنها ليست جزءاً من “الشبكة الحاكمة”.
ونزل قرار الاتحاد الرياضي الأخير بإلغاء انتخابات الأندية، مثل الصاعقة على بعض الرياضيين الذين تذرعوا بحجج أن القرار غير محسوب، مؤكدين استمرارية سياسة التعيين والمحسوبيات.
يقول أحد الإداريين الرياضيين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه: إدارة الرياضة في سوريا تشبه “مافيا منظمة” من يخرج عن الخط يُستبعد فوراً، ومن يُعارض يُحارب في عمله، لهذا تجد نفس الأسماء تتكرر لعقود دون أي تغيير”.
الحوكمة.. هل تكون الحل الجذري؟
“الحوكمة” ليست مجرد مصطلح إداري، بل هي نظام متكامل لضبط الإدارة والتمويل والشفافية داخل الأندية والاتحادات الرياضية، وتعتمد على مجالس مستقلة، رقابة مالية صارمة، وقوانين تمنع تضارب المصالح.
ويمكن تطبيق الحوكمة في الرياضة السورية من خلال تشكيل هيئات رقابية مستقلة، وإنشاء لجنة رقابة مالية رياضية، تتولى مراجعة عقود الاستثمار والصفقات المالية، وفرض إلزامية الإفصاح عن ميزانيات الأندية بشكل دوري، ونشرها على المنصات الرسمية، وإبعاد الشخصيات الفاسدة من مراكز القرار، ومنع أي شخص شغل منصباً إدارياً لفترة طويلة من الترشح مجدداً، لضمان تجديد الدماء، وإخضاع جميع الإداريين في الأندية والاتحادات لدورات تأهيلية في الإدارة الرياضية، بالتعاون مع جامعات دولية.
وإصلاح نظام الانتخابات الرياضية، بإلغاء التعيينات العشوائية، وجعل انتخابات الأندية والاتحادات تحت إشراف هيئة مستقلة، وسن قانون يمنع ترشح أي مسؤول رياضي لديه تضارب مصالح أو ارتباطات تجارية مع النادي.
والأهم هو خصخصة الأندية بشكل تدريجي، وتحويل الأندية إلى شركات رياضية تُدار وفق معايير اقتصادية واضحة، مما سيحد من الفساد المالي، وتشجيع المستثمرين الحقيقيين على دعم الرياضة، بدلاً من تركها بيد أشخاص يستغلونها لمصالحهم الشخصية.
في هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي يوسف درغام: الرياضة يجب أن تتحول إلى قطاع استثماري شفاف، والحوكمة هي المفتاح، لا يمكن أن تستمر الأندية السورية كجمعيات خيرية تعتمد على دعم الدولة فقط، بل يجب أن تكون مؤسسات اقتصادية قائمة على الإيرادات الحقيقية”.
هل هناك أمل في التغيير؟
الطريق نحو رياضة سورية نزيهة ما زال طويلاً، لكنه ليس مستحيلاً، نجاح التجربة في دول أخرى مثل المغرب ومصر والسعودية، يثبت أن الحوكمة يمكن أن تُغيّر واقع الرياضة إذا طُبّقت بشكل صحيح.
لكن السؤال الأهم: هل هناك إرادة حقيقية للإصلاح؟ أم إن “المافيا الرياضية” ستستمر في إحكام قبضتها، وتحويل الرياضة السورية إلى مشروع تجاري مغلق لفئة محددة فقط؟ خصوصاً بعد التكتلات التي نشاهدها كل يوم ضمن أنديتنا واتحاداتنا التي بدأت بالتحرك لتتماشى مع الواقع الجديد ولكن بنفس الفكر.
الجمهور والرياضيون ينتظرون التغيير، لكن الكرة ليست في ملعبهم، بل في ملعب من يملكون القرار.. فهل سنكسر الحلقة المغلقة؟
وهل سنستطيع القضاء على “مافيات الرياضة”.