الثورة – المحامي ناصر حاج سليمان:
المجتمع المدني هو في الأصل اسم دال على المجتمع والدولة وهو مرادف لمصطلح المجتمع السياسي.
يقسِّم علماء الاجتماع المجتمعات إلى نسقين: الأول تقليدي يعبَّر عنه بالمجتمع التقليدي (المجتمع الأهلي) ويسود هذا في المجتمعات الريفية ومن سماته الأنماط ما قبل الدولة، وسيطرة البنى التقليدية السابقة للقومية وهي بنى ذات هويات ضيقة (العشائرية – الطائفية – الأثنيات، المذهبية….)، يضاف إلى ذلك كل البنى المعيقة لأخذ الدولة لشكلها المطلوب، والثاني النسق الحداثي وهو نسق المدنية أو ما يعبَّر عنه سياسياً بـ “المجتمع المدني”، وقد دخل المصطلح المدني أوروبا حوالي عام 1400م بجملة دلالات من شأنها تشكيل بنية المجتمع المدني من حيث أنه “مجتمع كلي ومجتمع منظم ومجتمع تاريخي”.
فالمجتمع المدني حسب صيغته الأولى هو كل تجمع خرج من حالته (الفطرية) إلى الحالة المدنية التي تتمثل بوجود هيئة سياسية قائمة على اتفاق تعاقدي وبالتالي فالمجتمع المدني هو المنظَّم سياسياً وعلاقته بالدولة غير ذي بعد جامد أو ثابت وهو أساس نشوء الديمقراطية وعنوان استمراريتها ويختلف عن المجتمع الأهلي.
وبذا يكون المواطن مشكلاً لجزء من المجتمع المدني عن طريق مختلف الفعاليات التي ينتمي إليها والتي تؤلف هذا المجتمع، فالمشاركة تكون من خلال “العائلة-المدرسة- المهنة- النقابة- المجمعية الثقافية- الحزب السياسي”.. فهذه تعتبر منافذ من خلالها يعي الإنسان مواطنيته ويمارس وجوده على هذا الأساس.
ولقد بات مفهوم المجتمع المدني وبصفته أداة نقدية لإصلاح الوضع الإنساني وتحسينه يمتلك استقلالية، وهو على المستوى التاريخي نتاج تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية وانهيار المجتمع الإقطاعي والانطلاق باتجاه بناء الدولة المتحضرة والعصرية.
ويجب التمييز بين المجتمع المدني الذي هو كما أسلفنا حالة لها بعدها التاريخي وتصنعها جملة تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية.
وأما المؤسسات فهي الوعاء الذي يمارس المجتمع المدني دوره من خلالها بحيث يبرز دورها أو يخبو ويتراجع حسب المناخ السائد والذي من مكوناته الدولة الفاعلة وسيادة القانون والحقوق والواجبات.
وهنا يبرز السؤال: مامدى تلازمية المواطنة والمجتمع المدني؟.
في الواقع بعد نهوض مفهوم المجتمع المدني والمواطنة يتوضح جلياً أنه لا يمكن للمواطنة أن تتجسد بشكل حضاري في النسق التقليدي (المجتمعات الأهلية) تأسيساً على أن القانون مغيب وليس حاضراً وإن وجد فليس فاعلاً أو مطبقاً حتى وإن وجدت بعض المؤسسات أو شبه المؤسسات فالتقاليد والأعراف والبنى والهويات الضيقة هي السائدة والمغلبة على القانون وبالتالي فإن القاعدة الدستورية والتماثلية في الحقوق والواجبات التي هي العمود الفقري للمواطنة غائبة في هذه المجتمعات.
وأما في النسق الحداثي في المجتمعات (المجتمع المدني) حيث تسود لغة القانون ويحتوي هذا النسق على مكونات المجتمع المدني السياسية والثقافية والاجتماعية والقانونية حيث يتجلى مبدأ سيادة القانون واضحاً، وعلى هذا يكون التلازم عضوياً بين المفهومين (المواطنة والمجتمع المدني).
وحيثما سادت لغة القانون ساد حس المواطنة وتأكدت الحقوق والواجبات، وحيثما انحسرت أو انخفضت لغة القانون سادت لغة العصبيات والعشائرية والطائفية والإثنيات والعرقيات ومكوناتها الاجتماعية والثقافية.
ويمكن القول إن هناك يدين تتفاعلان في ظل قيام المجتمع المدني والدولة وتتكاملان في معظم الأحيان فالمجتمع المدني هو ما يعبَّر عنه باليد الناعمة (نقابات – منظمات- أحزاب- جمعيات.. الخ) وأما اليد الخشنة فهي الدولة بسلطتها، ولعل الدستور هو الناظم بنصوصه لهذا التكوين الخاص بالدولة وللنشاط المرتبط بالمجتمع المدني.
وأبرز ما تتسم به معظم الدساتير في المجتمعات الحداثية هو النص على أن المواطنة حق مقدس وأن الحق والواجب متلازمان ومرتبطان بالمواطنة.
#صحيفة_الثورة