زراعة الفطر المحاري.. من فكرة تدريبية لمشروع زراعي يحارب البطالة ليحقق الربح

الثورة – ناديا سعود:

يعتقد البعض أن اقتصاد الدول يقوم بشكل أساسي على المشاريع الكبيرة، ولكن في الواقع تلعب المشاريع الصغيرة دوراً في دعم الاقتصاد المحلي، إذ إنها تزود المجتمعات بالمنتجات والخدمات التي تستهدف حاجة محددة، ولا يقتصر تقديم خدماتها على المجتمعات المحلية فقط، بل أنها تقدم تلك الخدمات في جميع أنحاء العالم في حال توفر الدعم الكافي لها.
ومن أحد هذه المشاريع الرائجة زراعة “الفطر المحاري” وهو من أنواع الفطر البري، وله أنواع عديدة منها الملكي والكريمي، ويتميز بفوائد تضاهي اللحم الحيواني فهو مفيد لمرضى القلب ونقص المناعة نظراً لاحتوائه على مجموعة عناصر لا تحصى، بالإضافة لطعمه المميز، وهو من المشاريع الزراعية السهلة التي يمكن تنفيذها في مساحة صغيرة أو بالمنزل، باستخدام موارد بسيطة وغير مكلفة.

قصة نجاح
وعن هذه التجربة يتحدث الخبير الزراعي الدكتور يونس إدريس لصحيفة الثورة: في بداية الأمر تم طرح موضوع زراعة الفطر المحاري على المجموعة الأم (مجموعة المشاريع الأسرية) التي أسسها الخبير التنموي أكرم العفيف، وقد لاقت الفكرة تقبلاً من قبل الأعضاء، مضيفاً: صحيح أن الفكرة بسيطة لكنها طموحة، وهي إنشاء مجموعة للفطر المحاري على تطبيق واتساب تجمع حوالى 500 أسرة مهتمة بتعلم زراعة الفطر المحاري, وكان الهدف الرئيسي هو تمكين الأسر من إتقان زراعة الفطر كمصدر دخل إضافي أو حتى رئيسي، فلم يكن مجرد مشروع لتعليم الأسر كيفية زراعة الفطر، بل كان خطوة نحو خلق تنمية اقتصادية مستدامة للأفراد والمجتمع ككل من خلال تمكين الأسر إتقان هذه المهارة، وفتح أبواب جديدة لتحسين الدخل المعيشي وخلق فرص عمل، خاصة في المناطق الريفية أو ذات الموارد المحدودة.
ويتابع الدكتور ادريس: بدأنا بمرحلة التعليم عن بعد بتقديم دورات تدريبية عبر الرسائل النصية والمقاطع الصوتية والصور التوضيحية, وتم تقسيم المحتوى إلى مراحل، بدءاً من أساسيات زراعة الفطر المحاري، مثل تحضير البيئة المناسبة (التبن أو نشارة الخشب)، ومروراً بمراحل التعقيم وزراعة الأبواغ، ووصولاً إلى مرحلة الحصاد، وأتت المجموعة بمثابة فصل دراسي افتراضي، حيث يتم تبادل الخبرات والأسئلة بشكل يومي.
أهداف المشروع
وبين الدكتور إدريس أن الهدف من إنشاء هذه المجموعة هي زيادة الدخل حيث نجحت بعض الأسر في إنتاج كميات كبيرة من الفطر المحاري، وأصبحت قادرة على بيع الفائض في الأسواق المحلية، ومع توسع المشاريع، بدأت بعض الأسر في توظيف أفراد من المجتمع المحلي للمساعدة في عمليات الزراعة والحصاد والتسويق، وهذا الأمر ساهم في خلق فرص عمل جديدة، خاصة للشباب والنساء في المناطق الريفية، وبعض الأعضاء الذين أصبحوا خبراء في زراعة الفطر بدؤوا بتقديم خدمات استشارية أو تدريبية لأسر أخرى، مما وفر لهم مصدر دخل إضافي، مشيراً إلى أنه مع زيادة إنتاج الفطر، بدأت تظهر فرص جديدة للتسويق والتوزيع وبعض الأسر بدأت بإنشاء شبكات تسويق محلية، مما ساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض الأسر باستغلال الفطر المحاري في صناعات غذائية صغيرة، مثل إنتاج المخللات أو الوجبات الخفيفة، مما وسع من نطاق الفرص الاقتصادية لافتاً إلى أن عدداً من المنتجين الذين استفادوا من هذا المشروع مؤكدين على نجاحهم.

تحديات
يقول الدكتور إدريس: في البداية واجهت العديد من الأسر صعوبات في تسويق منتجاتها، خاصة في المناطق التي لم تكن معتادة على استهلاك الفطر المحاري، ومع مرور الوقت، بدأت شبكات تسويق محلية بالظهور، حيث قامت بعض الأسر بتأسيس تعاونيات أو مجموعات تسويقية لتسهيل عملية البيع والتوزيع، ولكن التمويل كان أحد التحديات الرئيسية التي واجهت الأسر في بداية المشروع، ومع ظهور برامج تمويلية مثل تلك التي يقدمها بنك الإبداع، فأصبحت الأسر قادرة على الحصول على القروض الصغيرة التي ساعدتها في شراء المواد الخام والأدوات اللازمة للزراعة.
ويضيف إدريس: كان هناك صعوبات بعدم القدرة على التواصل المباشر مع الأعضاء وكان تحدياً كبيراً، كما أن بعض الأسر كانت تحتاج إلى تدريب عملي مباشر، لكننا اعتمدنا على الصور والفيديوهات التوضيحية لتعويض ذلك.
فهناك حاجة مستمرة لتكرار المعلومات وتوضيحها بطرق مختلفة لضمان فهم جميع الأسر ومع انضمام مجموعات أسر جديدة كان الأمر يتطلب إعادة شرح الأسس والمبادئ، للوقوف على بعض الأخطاء والمشكلات في المشاريع وكان يتم التصحيح عن بعد عن طريق رفع صور للمشاريع إلى المجموعة، حيث كان الخبراء يفحصون الصور بدقة، ويحاولون اكتشاف المشكلة، سواء أكانت تتعلق بالرطوبة الزائدة، أم التهوية غير الكافية، أم التلوث، بعد ذلك كانت تقدم الحلول المناسبة، مثل تعديل نسبة الرطوبة أو تحسين التهوية أو إعادة تعقيم البيئة.

نتائج مبهرة
رغم كل التحديات يؤكد الدكتور إدريس أن النتائج كانت مبهرة بعد عدة أشهر من العمل الجاد، بدأت المشاريع تثمر، بعض الأسر نجحت في إنتاج كميات كبيرة من الفطر، ووصلت إلى 5 أطنان من التبن المستخدم في الزراعة، وهؤلاء أصبحوا موردين رئيسيين للفطر في مناطقهم، والبعض الآخر من الأسر أنتجت كميات معقولة تكفي للاستهلاك المحلي وبيع الفائض في الأسواق المحلية، وأسر أخرى كانت تنتج كميات محدودة، لكنها كانت كافية لتحسين دخلها المعيشي، حتى الأسر التي واجهت صعوبات في البداية، استطاعت في النهاية إنتاج كميات بسيطة، مما عزز ثقتها بنفسها وقدرتها على تطوير المشروع لاحقاً.
وتم تأليف كتيب صغير يشرح زراعة الفطر المحاري خاص بالمجموعة، يتضمن شرح المواد والخطوات بالصور.
الرؤية المستقبلية
ويختم الدكتور إدريس حديثه لـ”الثورة”: مع استمرار نجاح هذه المجموعة، يمكن أن تصبح زراعة الفطر المحاري أحد الركائز الاقتصادية الرئيسة في المناطق الريفية من خلال التوسع في الإنتاج وتحسين شبكات التسويق، مما يمكن لهذه المشاريع أن تساهم في خلق اقتصاد محلي قوي ومستدام.
ومع زيادة الخبرة والمعرفة، يمكن للأسر أن توسع من نطاق إنتاجها، ليس فقط في زراعة الفطر المحاري، بل أيضاً في أنواع أخرى من الفطر أو المنتجات الزراعية الأخرى، وهذا الأمر سيفتح أبواباً جديدة للدخل والتنمية الاقتصادية كما يمكن للأسر أن تتحد في تعاونيات زراعية، مما يسمح لها بتحقيق وفورات اقتصادية من خلال الشراء الجماعي للمواد الخام والتسويق المشترك للمنتجات، هذا النموذج يمكن أن يعزز من قوة التفاوض للأسر ويحسن من جودة المنتجات.
كما أنه على المدى الطويل، يمكن لهذه المشاريع أن تساهم في تقليل معدلات الفقر والبطالة في المناطق الريفية، ويمكن أن تعزز من تمكين المرأة، حيث أن العديد من الأسر التي تشارك في هذه المشاريع تقودها نساء، فمجموعة زراعة الفطر المحاري ليست مجرد قصة نجاح فردي، بل هي نموذج لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال تمكين الأسر والمجتمعات المحلية.

تجارب ناجحة
إحسان ندور من بلدة مقعبرة، التي تقع في منطقة وادي النصارى بمحافظة حمص قال: إن مشروعه بدأ بزراعة كميات قليلة من بذور الفطر والتي أعطت مردوداً إنتاجياً مجزياً بعد مرور الوقت على زراعتها مما شكل له عائداً مادياً داعماً له ولأسرته، لذلك عملنا على نشر ثقافة زراعة الفطر المحاري لتنشيط موضوع المشاريع الصغيرة الذي لاقى إقبالاً كبيراً من عدد كبير من الشباب نظراً لتوفر برادات لحفظ الخضار والفواكه فهي منطقة تشتهر بزراعة التفاح وجميع الأشجار المثمرة مما سهل توفير الجو الملائم لزراعتها.
وأعرب ندور عن استعداده للتوسع في إنتاج الفطر المحاري في حال توافر أسواق ملائمة للتصريف، وفي حالة توفر مشروع لتعليب الفطر، لأن الفطر عمره قصير وفي حال تم تعليبه نستطيع أن نصل به إلى جميع الأسواق.
جهاد إبراهيم، من منطقة المزرعة، يعتبر واحداً من عشرات المستفيدين من هذا المشروع، حيث بدأ من مرحلة التجريب إلى العمل والإنتاج بعد نجاح تجربته الأولى في منزله، يقول: طرحت المنتج وهو نوع من الفطر يسمى المحاري، يشتهر بطعمه اللذيذ وفوائده الكبيرة، ولاقى إقبالاً في السوق من قبل عدد كبير من الأشخاص، ما شجعني على توسيع نطاق العمل وفتح ورشة كاملة لإنتاج كميات كبيرة تغطي حاجة السوق، ولكن كان هناك العديد من الصعوبات التي اعترضتنا وخاصة أن الدعم الحكومي كان غائباً عن هذه المشاريع.

 

آخر الأخبار
دعماً لمستشفى درعا الوطني.. رجل الأعمال موفق قداح وأبناؤه يقدمون 200 ألف دولار تعاون مع  "أطباء من أجل حقوق الإنسان" لتعزيز الطب الشرعي انطلاق الجلسة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في السويداء تجمع أبناء الجولان المحتل بدرعا:  النظام البائد باع الجولان وهمش أهله ونقف مع إدارة سوريا الجديدة هل تستعيد حلب دورها الاقتصادي؟ الاحتلال الإسرائيلي يضع بوابة على مدخل المحمية الطبيعية في بلدة جباتا الخشب في الجولان غراندي: تعزيز جهود التعافي المبكرة في سوريا ضرورة لعودة اللاجئين سوريات يخلقن فرص عمل.. مشاريع منزلية بعضها يعود إلى 45 عاماً استجابة لما نشرته "الثورة".. نقل درعا تعيد دائرتها للصنمين مدرسو كلية الفنون الجميلة تجمعهم كلمة "سوريا" محمد المحاميد.. الشهيد الذي وُضع في ثلاجة الموتى حياً وكتب وصيته على جدرانها بدمه "الولاية القضائية العالمية وتوثيق وأرشفة الأدلة" بورشة متخصصة بدرعا صباح الوطن الجميل من بصرى التاريخ المعهد العالي للغات يرفع رسوم الاشتراك.. الطلبة: ليس لدينا القدرة على التسجيل تعزيز المهارات والخبرات لكوادر الموارد المائية احذروا المساعدات الوهمية على مواقع التواصل "بصمات صوتية".. معلّقة بذاكرة قلوبنا.. نحن على موعد مع منخفض ثلجي.. وانخفاض في درجات الحرارة حتى لا يطغى من التحديات إلى الفرص.. استراتيجية شاملة في ورشة تحضيرية لوضع أسس الخطة الزراعية