العالم العربي.. وإدارة ترامب الثانية

موسى الأسعد:

المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وإيران والفلسطينيون: كيف ستبدو سياسة ترامب في الشرق الأوسط؟
في فترة ولايته الثانية، من غير المرجح أن يتبع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفس سياسة الشرق الأوسط التي اتبعها في ولايته الأولى، وينبع هذا التحول من تغيرات إقليمية كبيرة، بما في ذلك تراجع قوة إيران وما يسمى “محور المقاومة”، والمركزية المتجددة للقضية الفلسطينية، والأهمية الاستراتيجية المتزايدة لدول الخليج في المنافسة بين القوى العظمى.
إن موقف الرئيس ترامب الإيجابي بشكل عام تجاه العديد من الأنظمة في المنطقة، فضلاً عن علاقاته الشخصية القوية مع القادة الرئيسيين، يمكن أن يولد زخماً لعملية السلام في المنطقة، ومع ذلك، فإن الحرب ضد غزة أعادت تشكيل حسابات اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، لاسيما فيما يتعلق بضرورة التوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية – وهي قضية سيتعين على ترامب وإسرائيل النظر فيها بعناية.
إن أي محاولة للتنبؤ بسياسة الولايات المتحدة تجاه الدول العربية في ظل إدارة ترامب الثانية يجب أن تأخذ في الاعتبار التنوع الكبير بين هذه الدول، واحتمال ألا يكون نهجه السياسي بالضرورة هو نفسه كما كان في ولايته السابقة، وهذا صحيح بشكل خاص بالنظر إلى التطورات في الشرق الأوسط في أعقاب الحرب المتعددة الجبهات التي تخوضها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023.
إن العالم العربي بعيد كل البعد عن كونه متجانسًا، مما يجعل من الضروري تحليل مراكز قوته الرئيسية – مصر والأردن ودول الخليج – للتنبؤ بشكل أفضل بعلاقات هذه الدول المستقبلية مع الولايات المتحدة، ويجب أن يأخذ هذا التحليل أيضًا في الاعتبار الأهمية الاستراتيجية لهذه الدول بالنسبة لإسرائيل.
مصر
وتنظر مصر إلى بداية ولاية الرئيس ترامب بقلق، وهو ما عكسته التصريحات الرسمية الصادرة من القاهرة والتعليقات في وسائل الإعلام المصرية بشكل عام، يمكن تحليل موقف مصر تجاه إدارة ترامب من خلال عدستين رئيسيتين: القضية الفلسطينية والعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة ومصر.
القضية الفلسطينية
من وجهة نظر مصر، فإن الدعم منقطع النظير الذي قدمته إدارة بايدن لإسرائيل وتضامنها الثابت منذ بداية الحرب مكّن من إطالة أمد القتال في غزة ولاحقًا في لبنان، وأدى هذا الصراع إلى عدد غير مسبوق من الضحايا المدنيين وتدمير البنية التحتية في غزة، وألقت العديد من مقالات الرأي المصرية اللوم على الولايات المتحدة – وليس أقل من إسرائيل – في المذبحة و”الإبادة الجماعية”، كما وصفها كتابها بالإضافة إلى ذلك، رأى المحللون أن الولايات المتحدة لديها القدرة على منع التصعيد الإقليمي لكنهم قالوا إنها امتنعت عن القيام بذلك مع تقدم الحرب، ورغم جهود الإدارة الأميركية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، تجاهلت إسرائيل هذه المحاولات، ربما تحسباً لفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية.

إلى جانب الاستياء الشعبي والحكومي واسع النطاق من إدارة بايدن، يسلط المعلقون والخبراء في كثير من الأحيان الضوء على سياسات ترامب السابقة المؤيدة لإسرائيل، وخاصة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف الكامل بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، و”صفقة القرن”، التي أدت إلى اتفاقيات “إبراهيم”.
علاوة على ذلك، تم إيلاء اهتمام كبير للتعيينات الرئيسية التي عينها ترامب بعد انتخابه، بما في ذلك وزير الخارجية، والسفير لدى الأمم المتحدة، والسفير إلى إسرائيل، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط.
تشير هذه الخيارات إلى استمرار – بل وتكثيف – الموقف المؤيد لإسرائيل، وخاصة في دعم الحكومة الإسرائيلية وسياستها الاستيطانية في الضفة الغربية، علاوة على ذلك، حذر كبار الخبراء، بما في ذلك عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري، من عصر “الهيمنة الإسرائيلية”، حيث ستؤكد إسرائيل هيمنتها على الشرق الأوسط، ويتوقعون أن تستمر إسرائيل في معارضة إقامة دولة فلسطينية وأن الاحتلال سيستمر، وقد عززت التصريحات الأخيرة للرئيس ترامب هذه التصورات وأثارت ردود فعل قوية في مصر، جاء الأول خلال حملته الانتخابية في 16 أغسطس 2024 عندما صرح بأن “إسرائيل صغيرة” – واصفًا إسرائيل بأنها “بقعة صغيرة مقارنة بهذه الكتل الأرضية العملاقة” في الشرق الأوسط واقترح توسيعها.

أما الملاحظة الثانية، والتي تصدرت عناوين الأخبار في مصر، فكانت تحذير ترامب من أنه إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس بحلول تنصيبه، فإن “كل الجحيم سوف يندلع في الشرق الأوسط”وقد تم تفسير هذه التصريحات في مصر على أنها إشارة إلى نيته ممارسة ضغوط عدوانية على حماس والمنطقة بأكملها لصالح إسرائيل، وأشار المعلقون إلى أن مثل هذا التهديد المباشر لم يسمع به من قبل وينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، نظراً لعدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب واستعداده لاتخاذ تدابير متطرفة، وخلصوا إلى أن المنطقة برمتها ستدفع ثمناً باهظاً مقابل مصالح إسرائيل، التي يعتقدون أنها ستحظى دائماً بالدفاع عنها ودعمها الكامل من قبل إدارة جمهورية.
العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة ومصر
ظلت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر لسنوات عديدة مستقرة، مع الحد الأدنى من خطاب المواجهة، ومع ذلك، عادت التوترات إلى الظهور عندما اشترطت إدارة بايدن، في سبتمبر/ أيلول 2023، مبلغ 320 مليون دولار من مساعداتها السنوية البالغة 1.3 مليار دولار، بتحسينات قابلة للقياس في سياسات حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء السياسيين، وفي الوقت نفسه، استمرت المشاركة الدبلوماسية رفيعة المستوى، حيث قام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بزيارات متكررة إلى القاهرة لتنسيق المواقف ردًا على الحرب في غزة خلال فترة ولاية ترامب الأولى، أدت علاقته القوية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى دعم أميركي أكبر بكثير مقارنة بفترة ولاية الرئيس باراك أوباما، وخفت حدة المخاوف بشأن احتياجات مصر من المشتريات العسكرية، ومُنحت المساعدات الأمريكية دون شروط عامة تتعلق بحقوق الإنسان – وتجري مثل هذه المناقشات خلف أبواب مغلقة، في حين نُصحت مصر بتجنب المواجهات المباشرة مع منتقديها في واشنطن، وكان الجانب الآخر من حسن النية الأمريكية تجاه مصر هو القرض السخي من صندوق النقد الدولي، الذي لعب دورًا حاسمًا في استقرار الاقتصاد المصري، وتشمل التوقعات الخاصة بولاية ترامب الثانية استمرار الدعم لبرامج مساعدة صندوق النقد الدولي، فضلاً عن دعم موقف مصر بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، وهو الموقف الذي أيده الرئيس ترامب سابقًا.
تتشكل توقعات مصر لإدارة ترامب الثانية من خلال عدة عوامل: هويته كرجل أعمال يعرف كيفية عقد الصفقات، وموقفه الإيجابي بشكل عام تجاه مصر والرئيس السيسي، وسياساته المؤيدة لإسرائيل في الماضي، وتصريحاته الأخيرة بشأن القضية الفلسطينية، وتساهم هذه العوامل في تقييم حذر، مصحوباً بمخاوف من أن ترامب قد يحافظ على نهج مماثل لولايته السابقة، على الرغم من بعض التحسينات مقارنة بإدارة بايدن، خاصة فيما يتعلق بالجهود المبذولة لإنهاء الحرب في غزة.
الأردن
لعقود من الزمن، حافظ الأردن على تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، ويتمتع بدعم الحزبين، وخلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، ظل الأردن محايداً، وعند إعلان النتائج، هنأ الملك عبد الله دونالد ترامب بفوزه، معرباً عن أمله في أن يتمكنوا من العمل معا من أجل السلام والاستقرار الإقليميين، ومع ذلك، وبعيدًا عن المجاملات الدبلوماسية، فمن الواضح أن معظم المعلقين المقربين من المملكة الأردنية غير راضين عن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهم يعتقدون أن إدارته ستكون أقل ملاءمة للأردن من الإدارة السابقة، سواء من حيث العلاقات الثنائية أو السياسة الأمريكية الأوسع في الشرق الأوسط.
يتذكر الأردن ولاية ترامب الأولى باعتبارها فترة من العلاقات المستقرة مع الولايات المتحدة، حيث استمرت المساعدات الأمريكية للمملكة كالمعتاد. ومع ذلك، لم تكن هناك مشاركة شخصية عميقة بين قادة البلدين، وظل الأردن على هامش سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط.
على النقيض من ذلك، خلال رئاسة بايدن، شهدت العلاقات الأردنية الأمريكية بعض التحسن. وفي أيلول/ سبتمبر 2022، وقّعت واشنطن وعمان مذكرة تفاهم مُحدثة متعددة السنوات 2029-2023 ) تضمن للأردن ما لا يقل عن 1.45) مليار دولار سنوياً في شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية – بزيادة قدرها 13.7 % مقارنة بالاتفاقية السابقة. وبالنسبة لعام 2025، من المتوقع أن تصل المساعدات السنوية التي وافق عليها الكونغرس إلى 2.1 مليار دولار. لكن المساعدات للأردن تخضع حالياً لمراجعة مدتها 90 يوماً بدأها ترامب عند توليه منصبه، في حين تم إعفاء المساعدات الأمريكية لمصر وإسرائيل وتستمر كالمعتاد.

وعلى عكس بايدن، ترى عمان أن ترامب لا يولي أهمية كافية لدور الأردن الإقليمي ويفضل بدلاً من ذلك دول الخليج الغنية، وخاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ويرى ترامب أن هذين البلدين شريكان تجاريان رئيسيان للولايات المتحدة، وخاصة في صناعة الأسلحة، في حين يُنظر إلى الأردن، الذي يفتقر إلى موارد كبيرة، على أنه يساهم بشكل أقل في المصالح الاقتصادية الأمريكية. ومع ذلك، في الوقت نفسه، يدرك الأردن ميزة محتملة في نهج ترامب تجاه العلاقات الثنائية – فإدارته أقل تركيزًا على حقوق الإنسان والحريات المدنية (على الرغم من أن إدارة بايدن نادرًا ما تتصادم مع الأردن بشأن هذه القضايا).
إن مصدر القلق الرئيسي للأردن بشأن عودة ترامب إلى منصبه هو سياسته الإقليمية. خلال فترة ولايته الأولى، تبنى ترامب سياسات اعتبرها الأردن مؤيدة لإسرائيل ومضرة بالفلسطينيين.

وتشمل أبرز الأمثلة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وإنهاء التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، والترويج لـ”صفقة القرن”، التي فسرها البعض في إسرائيل على أنها تأييد أمريكي للتطبيق أحادي الجانب للسيادة الإسرائيلية على الضفة أو ما تسميه تل أبيب “أراضي في يهودا والسامرة”.
بالنسبة للأردن – حيث ما يقرب من نصف السكان من أصل فلسطيني – مثلت هذه الإجراءات، ولا تزال تمثل، تهديدًا مباشرًا للاستقرار الداخلي للمملكة والأمن القومي. ويخشى الأردن من أن تؤدي ولاية ترامب الثانية إلى سياسة أكثر تطرفاً، خاصة في ضوء الحكومة اليمينية في إسرائيل والشخصيات الرئيسية في إدارة ترامب المعروفين بتحالفهم القوي مع موقف إسرائيل بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
السيناريو الأسوأ بالنسبة للأردن هو تجديد خطة بروح “صفقة القرن” من قبل إدارة ترامب بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية. ومن وجهة نظر عمان، تشمل المخاطر الملموسة ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة، والتشجيع المباشر أو غير المباشر لهجرة الفلسطينيين من الضفة الغربية أو غزة إلى الأردن (كما اقترح ترامب مؤخراً)، وتقويض المكانة الخاصة للأردن في الأماكن المقدسة في القدس. ومثل هذه التصرفات، كما يرى الأردن، من شأنها أن توجه فعلياً ضربة قاضية لحل الدولتين وتعزز مفهوم “الوطن البديل” – وهو السيناريو الذي يتم فيه حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، مما يعرض هويته الوطنية الفريدة للخطر. ويعتبر المعلقون الأردنيون المرتبطون بالبيت الملكي مثل هذا السيناريو بمثابة خط أحمر أو حتى إعلان حرب.
ويتعلق الخطر الآخر الذي يراه الأردن في إدارة ترامب الثانية بسياسته تجاه إيران، والتي من المتوقع أن تكون أكثر تشدداً ومواجهة من سياسة بايدن، ما قد يؤدي إلى تصعيد الصراعات الإقليمية التي تؤثر بشكل مباشر على المملكة.
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، واجه الأردن أنشطة تخريبية من قبل إيران ووكلائها داخل مجاله الجوي وأراضيه، فضلاً عن تعطيل الملاحة البحرية من قبل الحوثيين، ما أثر على الوصول إلى ميناء العقبة – بوابة الأردن الوحيدة إلى البحر. وفي الوقت نفسه، فإن موقف ترامب العدواني تجاه إيران يقدم أيضًا مزايا محتملة للأردن. وتشمل هذه تعزيز الردع الأميركي ضد إيران، وزيادة إضعاف رؤية إيران لـ “الهلال الشيعي”، والحد من التخريب الإيراني، الذي هدد حدود الأردن على نحو متزايد في السنوات الأخيرة.
ونظراً للتحديات التي تفرضها عودة ترامب إلى الرئاسة، فمن المرجح أن يتخذ الأردن إجراءات على مسارين رئيسيين:
تعزيز القيمة الاستراتيجية للأردن في واشنطن:  سيسعى الأردن إلى إظهار دوره الأساسي في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين، ومواءمته مع القضايا الرئيسية المحورية في رؤية إدارة ترامب.
وتشمل هذه الجهود تحقيق الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد والمساهمة في إعادة إعمارها؛ وجهود مكافحة الإرهاب، وخاصة منع تهريب الأسلحة والمخدرات على طول حدود الأردن مع سوريا وإسرائيل؛ ودعم الجهود الرامية إلى كبح جماح إيران ووكلائها الإقليميين؛ والحفاظ على الهدوء في الأماكن المقدسة في القدس لمنع المزيد من الاضطرابات؛ وتعزيز التكامل الإقليمي من خلال تطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي، والنقل، والطرق التجارية التي تربط موانئ البحر الأبيض المتوسط بدول الخليج؛ والمشاركة في جهود التطبيع العربي الإسرائيلي، مع موازنة قيود الرأي العام المحلي داخل المملكة.
إحباط “صفقة القرن الجديدة”: سيعمل الأردن على بناء تحالف دولي – يشمل مصر والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي – لإقناع إدارة ترامب باقتراح إطار عمل محسّن لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وسيكون الهدف النهائي هو حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية.
ومن وجهة النظر الأردنية، أظهرت الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر أنه لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية، وأن الاستقرار الإقليمي – وخاصة أمن الأردن – يعتمد على إيجاد حل عادل. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الأردن أن التطبيع الإسرائيلي السعودي هو آخر وسيلة ضغط رئيسية يمتلكها العالم العربي لدفع إسرائيل نحو تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق تسوية دائمة. وعلى العكس من ذلك، فإن اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي يستبعد أفقًا دبلوماسيًا واضحًا للفلسطينيين يمكن أن يعيد إشعال المناقشات حول سيناريو “الوطن البديل”، وهو احتمال يعارضه الأردن بشدة. ونتيجة لذلك، تعلق عمان أملها على نفوذ المملكة العربية السعودية في واشنطن وتسعى جاهدة لصياغة موقف عربي موحد تحت قيادة الرياض.

وكلما تمكن الأردن من تعزيز قيمته الاستراتيجية المتصورة وإقناع إدارة ترامب بدعم أفق سياسي للفلسطينيين، كلما كان في وضع أفضل لتحقيق التوازن بين أولوياته المتنافسة المتمثلة في الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل مع إدارة ضغوط الرأي العام الداخلي. ومن جانبها، يمكن لإسرائيل أن تشجع إدارة ترامب على الاعتراف بالدور الإقليمي الرئيسي للأردن والدعوة إلى اتباع نهج أكثر مراعاة لحساسيات عمان واحتياجاتها.
إن تصرفات إسرائيل في هذا الاتجاه لن تؤدي إلى تعزيز الأردن والاستقرار الإقليمي فحسب، بل يمكن أن تساعد أيضًا في تحسين العلاقات الثنائية المتوترة بين القدس وعمان.
دول الخليج
تنظر دول الخليج بشكل عام إلى إعادة انتخاب ترامب باعتبارها تطوراً إيجابياً، على الرغم من وجود تفضيلات استراتيجية وفروق دقيقة ملحوظة بينها. على سبيل المثال، خلال فترة ولاية ترامب الأولى، لم تكن هناك علاقات شخصية معروفة بين إدارته وقيادة قطر، على عكس العلاقات الوثيقة وحتى الشخصية التي طورها ترامب وفريقه – وخاصة صهره جاريد كوشنر – مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومقارنة بالعلاقات المتوترة مع إدارة أوباما، لعبت هذه العلاقات دورًا في تشكيل اتفاقيات إبراهيم.
على الرغم من التحسن الكبير في العلاقات السعودية والإماراتية مع إدارة بايدن قرب نهاية فترة ولايته، ترى الدول الخليجية مزايا أكثر من العيوب في عودة ترامب إلى السلطة. وهم يتوقعون تعاوناً أوثق واهتماماً أكبر بمصالحهم في واشنطن. بصرف النظر عن عدم وجود رد أمريكي على الهجوم الذي شنته إيران ووكلاؤها على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، يُنظر إلى ولاية ترامب الثانية على نطاق واسع على أنها الأفضل.
أولاً، إن ترامب والعديد من أعضاء فريقه على دراية جيدة بالفعل بالقادة الإقليميين الرئيسيين – محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
خلال حملته الانتخابية، أغدق ترامب الثناء على ابن سلمان، ووصفه بأنه “صديق”، بل وحافظ على علاقات وثيقة معه خلال رئاسة بايدن. وتشير التقارير أيضًا إلى تعاملات تجارية واسعة النطاق بين ترامب وعائلته ودول الخليج. وبالفعل، كان أول حديث لترامب مع زعيم أجنبي منذ عودته إلى البيت الأبيض مع ولي العهد السعودي.
ثانيًا، على غرار نهجه تجاه مصر، خلال فترة ولايته الأولى، لم يمارس ترامب ضغوطًا على دول الخليج بشأن قضايا حقوق الإنسان أو الافتقار إلى الحريات السياسية. في المقابل، كان بايدن ينتقد السعودية بشدة، حتى أنه هدد بفرض عقوبات عليها – خاصة رداً على مقتل خاشقجي وحرب السعودية في اليمن.
ثالثًا، تتوقع دول الخليج أن يتخذ ترامب نهجًا أكثر عدوانية تجاه إيران مما فعل بايدن، مما يؤدي إلى قيادة حملة من الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية لزيادة إضعاف إيران. وسيكون هذا بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بإيران بالفعل بسبب الهجمات الإسرائيلية ضد إيران وما يسمى بـ “محور المقاومة” خلال العام الماضي.
وأخيراً، في دول الخليج، تتصدر القضية الفلسطينية جدول الأعمال الإقليمي، مما يعكس أهميتها في الرأي العام بعد الحرب على غزة. وبالتالي، فإنهم يتوقعون أن يولد ترامب زخماً لعملية دبلوماسية إقليمية تتضمن التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، إلى جانب التقدم في العملية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية. ومن المرجح أن ينبع هذا التوقع من الثقة في قدرة ترامب على التأثير على صناع القرار الإسرائيليين، وخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وفي تصريحات علنية قبل فوز ترامب الانتخابي، ذكر كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة صراحة، أكثر من أي وقت مضى، رغبتهم في رؤية تقدم نحو إنشاء دولة فلسطينية. بالنسبة للسعودية، يبقى هذا شرطاً للتطبيع مع إسرائيل؛ وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فهو شرط أساسي لمشاركتها في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء غزة في “اليوم التالي” للحرب.
ربما أكثر من أي مكان آخر في العالم العربي، ترحب دول الخليج بشدة بفترة ولاية أخرى لترامب، خاصة أنها قد تؤدي إلى تغييرات إقليمية كبيرة لصالحها – وقبل كل شيء، إضعاف إيران. هناك قدر أكبر من الوضوح فيما يتعلق باتجاه سياسة ترامب تجاه إيران منه نحو تسوية إقليمية تشمل التطبيع الإسرائيلي السعودي. وبعد عام ونصف من الحرب، أدى إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية، مؤقتاً على الأقل، إلى طمس العديد من الاختلافات – خاصة بين دول الخليج الأكثر اعتدالاً ومواقف مصر والأردن.
وفيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية السعودية على وجه التحديد، هناك توقع لمرحلة “شهر العسل”، نظراً للأهمية التي يوليها ترامب للمملكة وقيادتها في النفوذ الإقليمي، وأمن الطاقة، وصفقات الأسلحة.

في كثير من النواحي، بالنسبة لترامب – الذي يؤمن بنهج المعاملات التجاري – تعتبر المملكة العربية السعودية حليفًا طبيعيًا أكثر من إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن التحديات لن تظهر، خاصة فيما يتعلق برغبة المملكة العربية السعودية في إبرام معاهدة دفاعية قوية، وهو ما لا يتوافق مع رؤية ترامب العالمية الأوسع لتقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
خاتمة
هناك إجماع واسع بين الدول العربية على أن القضية الفلسطينية يجب أن تكون لها أهمية أكبر مما أعطيت في خطة السلام التي قدمها الرئيس ترامب خلال فترة ولايته السابقة، أو كما اقترحتها بعض هذه الدول قبل 7 أكتوبر 2023، وإذا رفضت إسرائيل هذا المنظور الإقليمي الأوسع وظلت حازمة في معارضتها لدفع التسوية الإسرائيلية الفلسطينية، فإنها تخاطر بالعزلة ويمكن أن تفوت فرصة تاريخية للسلام مع دول مجاورة إضافية، وأبرزها المملكة العربية السعودية.
علاوة على ذلك، قد تؤدي إسرائيل أيضًا إلى توتر علاقاتها مع مصر والأردن ودول اتفاقيات إبراهيم. علاوة على ذلك، فإن الرفض الكامل لإظهار المرونة بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية يمكن أن يخلق توترات بين إسرائيل وإدارة ترامب، والتي قد تتماشى بشكل أوثق مع مواقف الدول العربية.

آخر الأخبار
بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة الجفاف يخرج نصف حقول القمح الإكثارية بدرعا من الإنتاج  سوريا نحو الانفتاح والمجد  احتفال الهوية البصرية .. تنظيم رائع وعروض باهرة "مهرجان النصر" ينطلق في الكسوة بمشاركة واسعة.. المولوي: تخفيضات تصل إلى 40 بالمئة "الاقتصاد": قرار استبدال السيارات مزور مجهولون في طرطوس يطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم.. والمحافظ يوضح بمشاركة المجتمع الأهلي.. إخماد حريق في قرية الديرون بالشيخ بدر وسط احتفالات جماهيرية واسعة.. إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا الشيباني: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين درعا تحتفل .. سماءٌ تشهد.. وأرضٌ تحتفل هذا هو وجه سوريا الجديد هويتنا البصرية عنوان السيادة والكرامة والاستقلال لمستقبل سورية الجديدة