الثورة – معد عيسى:
عندما تأتي المصائب تأتي مجتمعة، هذا ما ينطبق اليوم على واقع المياه في سوريا، فقد اجتمع الجفاف بما ينجم عنه من تراجع في الواردات المائية وزيادة التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مع النزاعات المسلحة في جغرافيا تضم أهم مصادر المياه في سوريا، الأمر الذي زاد من هدر المياه واستنزافها بطريقة سيئة جداً نتيجة الفوضى وغياب الإدارة والمشاريع الجديدة وتهديدها مباشرة، كما حال سد الفرات وتشرين الذي تحيط به الاشتباكات وتهدده.
ثلاث سنوات لتجاوز خط الفقر
واقع المياه في سوريا بجميع استخداماته (زراعية، مياه شرب ومشاريع استثمارية) حرج، وقد يكون تصريح وزير الموارد المائية أسامة أبو زيد- على تفاؤله، معبراً عن حجم المشكلة المائية في سوريا بقوله: “إن المدى الزمني للنهوض بواقع مياه الشرب في سوريا هو ثلاثة أعوام بالتعاون مع المجتمع الدولي، وتابع: حينها ستكون حصة المواطن السوري أعلى من خط الفقر المائي العالمي الذي يحدد حصة الفرد بـ 1000م3 سنوياً، فيما يحصل المواطن حالياً على 680 م3″، وطبعاً سيكون ذلك إذا تعاون المجتمع الدولي معنا، وهذا أمر لا يبدو سهلاً ولا متاحاً على الأقل حتى اليوم وهو لن يكن بهذه السهولة لأن تأهيل شبكات توزيع مياه الشرب يحتاج ما بين 500 ـ 700 مليون دولار أمريكي، وهذا رقم كبير جداً لبلد خزائنه خاوية واقتصاده مدمر.
مؤشرات الواقع المائي الخطيرة سيكون لها انعكاسات خطيرة أيضاً على مشروع إعادة الإعمار في سوريا بكل قطاعاته، ولاسيما القطاع الزراعي، القطاع الأهم للسوريين بما يشكل من قيمة في توفير الغذاء واليد العاملة والناتج المحلي، إذ يستهلك ما يقارب 88 % من الموارد المائية، والأمر يُمكن إسقاطه على جميع الاستثمارات، ولاسيما السياحية والصناعية وحتى أعمال البناء لإعادة إعمار ما تم تدميره.
مواجهة عاجلة
الوارد المائي السوري السنوي يبلغ 46.6 مليار متر مكعب فيما الواردات المتجددة القابلة للاستثمار تقدر ب 16.2 مليار متر مكعب، أما الطلب فيبلغ 17.7 مليار متر مكعب بما يعني أن العجز السنوي يصل إلى 1.1 مليار متر مكعب، هذه الأرقام ترتفع سنوياً لناحية العجز المائي وتنخفض لكميات الوارد المطري مع وضوح ظاهرة التغير المناخي ولا بد من مواجهة عاجلة وبخطط دقيقة، ولاسيما أن المؤشرات الحالية متطورة عن مؤشرات سابقة كانت حذرت من خطر الجفاف العالمي، وتوقعت أن تشهد سوريا التي تقع في المرتبة 31 عالمياً بين الدول التي ستعاني من الجفاف عجزاً مائياً مع بداية عام 2030.
تحلية وحصاد للمياه
موضوع تحلية مياه البحر لتأمين مياه الشرب قد يتصدر الخطط، ولاسيما أن التكاليف انخفضت عما قبل بفضل التقدم التقني، كما يُمكن أن تساهم في المشروع منظمات دولية وإنسانية، وهذا يحل جزءاً مهماً من التمويل، وهذا المشروع قديم حديث، وكان قد أعلن سابقاً عن أول محطة للتحلية من قبل شركة نمساوية بتمويل صيني ليلتقي مشروع تحلية مياه البحر مع مشروع حصاد مياه الأمطار في الساحل ونقلها إلى الداخل، ولاسيما مدينة دمشق، كما لا بد من التوجه لحصاد أكبر كمية من مياه الأمطار التي تذهب إلى البحر بإقامة سدود وسدات تجميعية لمياه الأمطار التي يُمكن ضخها إلى مجمعات وخزانات كبيرة في الداخل لاستخدامها لكل الأغراض بما في ذلك مياه الشرب وفق نظم وطرق ري حديثة تقلل الهدر إلى أدنى حد ممكن.
حصص مائية
بالتوازي مع الخطوات الداخلية لتخفيف الهدر واستخدام النظم الحديثة في نقل وتوزيع وري المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي والمياه العادمة، لا بد من فتح ملف الاتفاقيات السابقة مع دول الجوار لتقاسم الحصص المائية في أنهار دجلة والفرات والعاصي واليرموك، لأن هذه المياه تشكل أكثر من 90% من مياه سوريا القابلة للاستثمار، كما أنه بهذه المياه تُروى أكبر المساحات الزراعية التي توفر لسوريا الغذاء الأساسي والمادة الأولية للتصنيع الزراعي، ولاسيما في حوضي الفرات والعاصي.
أخيراً..
كل الملفات والاستحقاقات يُمكن أن تؤجل أو تتأخر، ولكن ملف المياه لا يُمكن التأخير فيه والتساهل معه لأن لا حياة ولا إعادة إعمار من دون توفر المياه لجميع الاستخدامات، ولاسيما للشرب والزراعة.
#صحيفة_الثورة