الكاتب غيث حمور: كثير من الروايات تُكتب بعقلية الاستهلاك السريع

الثورة – عمار النعمة:
كاتب وصحفي سوري، من مواليد دمشق، أقام بين سوريا وتركيا، حاصل على بكالوريوس في الإعلام، ماجستير في السينما والتلفزيون، والآن يعمل على رسالة الدكتوراه في الإعلام الجديد والاتصال.

كان من أوائل من وثّقوا بالصوت والصورة التحوّلات التي عاشتها سوريا منذ 2011 سواء عبر الكتابة الروائية أو المقالات الصحفية أو المشاريع الإعلامية.. يؤمن أن الكتابة ليست فقط أداة للتعبير، بل وسيلة للمقاومة والبقاء، لذلك حرص في أعماله على المزج بين التوثيق والتخيل، وبين السخرية والتأمل، وبين البعد السياسي والبعد الإنساني العلمي.

إنه الكاتب والصحفي غيث حمور الذي كان لصحيفة الثورة اللقاء التالي معه:

– روايتك الأخيرة حملت عنواناً لافتاً “ثورة القوارض” ما دلالة هذا العنوان؟

العنوان جاء متعمّداً ليصدم القارئ، ويستفز فضوله، ويحمله إلى سؤال جوهري، من يحق له أن يثور؟ وهل الثورة حكرٌ على “النبيل” و”الحر”، أم أن لكل كائن، مهما كان موقعه في السلم الرمزي، حقاً في التمرّد؟.. القوارض هنا لا تمثّل فقط الكائنات الدنيا في عالم الحيوان، بل هي رمز لكل من همّشته الحضارة، لكل من صُنِّف على أنه غير جدير بالحياة أو السلطة أو الحلم.

الرواية تلعب على هذا المفهوم، فتجعل القوارض تحمل لواء الثورة ضد الإنسان، وتدير مؤتمراً عالمياً يعيد صياغة العلاقة بين “الضحية” و”الجلاد” بأسلوب ساخر، لكنه عميق في رسائله.

– ماذا تخبرنا عن فحوى الرواية؟ وما هي أبرز محطاتها؟

“ثورة القوارض” هي عمل أدبي سياسي- ساخر، يستند إلى سرد رمزي يحاكي الواقع العربي والعالمي بطريقة غير مباشرة… تدور أحداث الرواية حول مؤتمر غير مسبوق تعقده القوارض من مختلف أنحاء الأرض، من الفئران إلى القنادس والكناغر، بهدف توحيد صفوفها في مواجهة التهديد الوجودي الذي يمثله الإنسان.

في سياق الرواية، يظهر صراع داخلي بين التيارات الإصلاحية والثورية داخل عالم القوارض، وتطرح أسئلة كبيرة حول السلطة، والخلاص، والذاكرة، والعدالة، من خلال الفأرة الشجاعة وزعيم القنادس، تنشأ مناظرات سياسية، وخطط سرية، وصدامات رمزية تعكس واقع الأنظمة القمعية، والمعارضة، والطبقات المهمشة في عالمنا المعاصر.

– ما الهدف من هذا العمل؟

الهدف الأساسي من الرواية، إعادة طرح الأسئلة الكبرى التي يتجنبها الأدب “المؤدّب” كيف نبني العدالة.. من يحق له الثورة.. ومتى تتحول السلطة إلى نسخة مشوهة من الجلاد؟ الرواية تسعى إلى تحفيز القارئ على التفكير النقدي، من دون تقديم أجوبة جاهزة، كما تسعى لكسر النمط السائد في الأدب السياسي العربي، الذي إما أن يغرق في الوعظ المباشر، أو يختبئ خلف الرمزية الغامضة.. أردت خلق مساحة يتجاور فيها الضحك مع الألم، والرمز مع الواقع، والحيوان مع الإنسان.

– ما الرسالة التي كنت حريصاً على إيصالها من خلال هذا العمل؟

الرسالة الجوهرية هي أن الإنسان، رغم كل ادعائه بالتحضّر، قد يتفوق في عنفه ودمويته على أكثر الكائنات وحشية.

الرواية تطرح بوضوح مفارقة مؤلمة: الحيوانات تقتل لتعيش، بينما الإنسان يقتل ليفرض رأياً، أو يبني مجداً، أو يُخضع الآخرين.

من خلال السخرية السوداء، تسلط الرواية الضوء على المجتمعات القمعيّة، الإعلام الموجّه، النفاق الديني والسياسي، وتناقضات الإنسان العربي تحديداً بين ادعاء المظلومية وممارسة الاستبداد.

– ما تقييمك للمشهد الروائي العربي اليوم؟

المشهد غني من حيث الكم، ويشهد حراكاً ملفتاً، خاصة مع دخول شرائح أوسع من الشباب إلى حقل الكتابة، لكن من حيث النوع، لا تزال التحديات قائمة.

كثير من الروايات تُكتب بعقلية الاستهلاك السريع، أو تنسخ تجارب غربية دون تكييفها مع السياق المحلي العربي أو السوري، فتبقى غريبة عن واقع القارئ، أو تُكرر سرديات مألوفة حول الحرب، الحب، والهجرة، دون اقتراح أسئلة جديدة.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود أصوات جادة تحاول الاشتباك مع الواقع بأدوات مختلفة، وتطرح تجارب فنية عالية، من الجزائر إلى اليمن، ومن لبنان إلى العراق، والأهم من سوريا.

– هل تأثرت ببعض الروايات، ولماذا؟

تأثرت بعدد من الأعمال الأدبية التي تركت أثراً عميقاً في وعيي الكتابي والإنساني، سواء من الأدب العربي أو العالمي.

من الرواية العربية، تبقى “السوريون الأعداء” للروائي السوري فواز حداد من أكثر الأعمال التي واجهتني مع تعقيدات الهوية والانتماء في ظل الاستبداد، بأسلوبه الذكي في كشف التناقضات دون خطاب مباشر، كما أن “مدن الملح” لعبد الرحمن منيف كانت درساً مبكراً في فهم آليات السلطة والتحول الاجتماعي من الداخل، بطريقة سردية موسوعية لا تزال ملهمة.

أما “الإصبع السادسة” لخيري الذهبي، فهي رواية ساحرة بالمعنى الحرفي، تأخذك إلى متاهة سوريالية تفكك فيها السلطة والموروث والعقل العربي، بلغة شعرية ذكية وعنيفة في آن.

ومن الأدب العالمي، تأثرت كثيراً بـ “لعبة الكريات الزجاجية” لهيرمان هسه، وهي رواية عميقة التأمل في مصير الفكر حين يتحول إلى طقوس، وفي حدود النخبوية حين تُفصل عن الإنسان.

كما ألهمتني رواية “عالم العناكب” لكولن ويلسون، بما تحمله من إسقاطات فلسفية حول البقاء والوعي والشر، مستخدمةً العناكب كمرآة رمزية لنقد الإنسان ومجتمعه.

ولا يمكنني أن أغفل رواية “العطر” لباتريك زوسكيند، التي كانت بمثابة تجربة حسية سردية غير مسبوقة، حول الهوس، والعزلة، والعبقرية الخارجة عن المنطق الأخلاقي.

هذه الروايات، باختلاف بيئاتها وثقافاتها، التقت في نقطة واحدة: أن الأدب حين يطرح أسئلة الوجود والسلطة والجمال، يمكنه أن يعيد تشكيل وعي الإنسان بالعالم، وبنفسه.

– بعد “ثورة القوارض”، ماذا في الجعبة.. هل من رواية جديدة في الأفق؟

نعم، أنهيت العمل على روايتي الجديدة بعنوان “الرحلة الملعونة”، وهي في مرحلة التحرير من قبل دار النشر “دار خطوة للكتابة العربي”، ومن المتوقّع أن ترى النور خلال النصف الثاني من هذا العام.

الرواية تنتمي إلى الأدب النفسي – الرمزي، وتدور أحداثها داخل طائرة في رحلة غير عادية، حيث نتابع طبيباً نفسياً يُدعى “آرام”، وامرأة تُدعى “براءة”، يبدأان حواراً عابراً يبدو بسيطاً في البداية، لكنه يتحوّل تدريجياً إلى تفكيك داخلي عميق لطبقات الألم والذنب، والنجاة.

– الرواية تطرح أسئلة حول: هل يمكن للإنسان أن يُشفى من جروحه القديمة؟ وهل “النجاة” دائماً هي الحل، أم أحياناً نوع من العقوبة؟ كيف تتقاطع القصص الفرديّة مع المأساة الجماعية؟ وكيف تؤثر لحظة مفصلية واحدة على مصير جميع من كانوا على متن طائرة واحدة؟

تُبنى الرواية على التوتر النفسي وتستخدم أحياناً تقنية “الزمن المكسور”، حيث تتداخل الذكريات والكوابيس مع الزمن الآني.

أما المشروع الروائي الذي أعمل عليه حالياً، فهو بعنوان: “أنفاس بين الأنقاض” وهو عنوان مبدئي، والمقرر صدوره خلال العام القادم بإذن الله.

الرواية تستند إلى أحداث حقيقية وتجربة إنسانية مروّعة عاشها الصديق والمتطوع في الدفاع المدني السوري موسى زيدان، وهي محاولة أدبية لتوثيق ما لا تستطيع الكاميرات أن تنقله، وما تعجز التقارير عن التعبير عنه: رعب اللحظة، وثقل القرار، ومرارة النجاة.

تتناول الرواية تحوّل موسى من شاب يعيش حياةً بسيطة في ريف إدلب، إلى منقذ يعمل بين الركام والدمار، وموثق للأحداث التي جرت في سوريا، وبين لحظة وأخرى، يجد نفسه في مواجهة الموت كحدث يومي، لا باعتباره نهاية، بل بوصفه مرافِقاً دائماً.

الرواية لا تكتفي بسرد الوقائع، بل تذهب إلى أبعد من ذلك؛ تحفر في الداخل، في المشاعر المتراكمة، في التصدعات التي تُحدثها الكارثة في روح الإنسان، كيف يتغيّر معنى الطفولة، الحب، وحتى الصلاة، حين تصبح السماء مصدر الخوف لا الرجاء؟.

“أنفاس بين الأنقاض” ليست فقط عن موسى، بل عن جيل كامل اختبر الحرب بأشد أشكالها قسوة، وكان عليه أن يختار بين الهروب أو المقاومة، بين أن يُوثّق الألم أو يُنقذ من يعيشونه.

كما أنها تسأل القارئ أيضاً كيف نمنح معنى للمأساة؟ وهل يكفي أن ننجو… لكي نُشفى؟

” الرواية تتنقّل بين الماضي والحاضر، بين اللحظة الأولى للقصف الكيميائي، وذكريات الطفولة في قرى إدلب، وتُحاول من خلال هذا التوتر أن ترسم ملامح إنسان لم يكُن بطلاً بالمعنى التقليدي، لكنه صار أحد رموز الصمود الإنساني بصمته، وتردده، ودموعه التي لم يرها أحد.

كل عمل جديد هو بمثابة محاولة لا لقول الحقيقة الكاملة – فهذا مستحيل – بل لتقريب القارئ من جمر التجربة، ومن السؤال الذي يظلّ مفتوحاً: كيف نعيش بعد أن ننجو؟، كما أطمح إلى تطوير مشروع روائي جديد بأسلوب ساخر أيضاً يدور حول ديكتاتور شرقي يقرر إنتاج أفلام ومسلسلات تمجده، ما يفتح الباب لسردية نقدية لاذعة حول تواطؤ المثقف مع السلطة، وعبثية الإعلام الرسمي في منطقتنا.

آخر الأخبار
الأونروا: الوضع في غزة يفوق التصور الاحتلال يستهدف خيام النازحين في خان يونس ويهدم عشرات المنازل في طولكرم اللاذقية: تحسين الخدمات في المناطق المتضررة بالتعاون مع "اليونيسيف" حذف الأصفار من العملة المحلية بين الضرورة التضخمية والتكلفة الكبيرة نقص كوادر وأجهزة في مستشفى الشيخ بدرالوطني الصحافة في سوريا الجديدة مليئة بالتحديات والفرص بقلم وزير الإعلام الدكتور حمزة مصطفى "الأشغال العامة": دورات تدريبية مجانية في قطاعي التشييد والبناء درعا.. إنجاز المرحلة الأولى من تأهيل محطة ضخ كحيل تفعيل العيادات السنية في مراكز درعا تأهيل مدرسة في بصرى الشام حول عقد استثمار الشركة الفرنسية لميناء اللاذقية.. خبير مصرفي: مؤشر جيد قربي لـ"الثورة": استثمار ميناء اللاذقية الجديد يعكس ثقة دولية وزيادة بالشفافية متجاوزاً التوقعات.. 700 ألف طن إنتاج سوريا من الحمضيات في 2025 الرئيس الشرع يلتقي بوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل درعا: مطالبات شعبية بمحاسبة المسيئين للنبي والمحافظة على السلم الأهلي "مياه دمشق وريفها".. بحث التعاون مع منظمة الرؤيا العالمية حمص.. الوقوف على احتياجات مشاريع المياه  دمشق.. تكريم ورحلة ترفيهية لكوادر مؤسسة المياه تعزيز أداء وكفاءة الشركات التابعة لوزارة الإسكان درعا.. إنارة طريق الكراج الشرفي حتى دوار الدلّة