الثورة – هبه علي:
أصبح المواطنون يحسبون ألف حساب للمناسبات، وبدل أن تكون فرصة للتجمع والاحتفال بالمناسبات والأعياد والانتصارات السياسية تعبيراً عن فرح الناس، باتت تتسم بالمأساة، خاصة عندما يترافق مع إطلاق النار عشوائياً، ويؤدي إلى سقوط ضحايا أبرياء.
آخر ما شهدته بلدة إزرع كان احتفالاً بمناسبة رفع العقوبات الأميركية، وانتهى الاحتفال بحادث مأساوي أسفر عن مقتل نصرة عواد مروح- ٣٥ عاماً إثر إصابة بالرأس نتيجة الرصاص الطائش، كما أسفر عن إصابة شذا منار الأسعد- ١٣ عاماً، وملاك الحريري في بصر الحرير، هذا الحادث يعيد تسليط الضوء على مدى خطورة هذه العادة التي تتجدد في كل مناسبة.
شهدت سوريا العديد من الحوادث المأساوية نتيجة إطلاق النار في الاحتفالات، ففي العام ٢٠١٩ وبينما كان محمد المسكي ذي السنوات الثمانية، يلهو أمام محل والده في منطقة سوق الحميدية قرب المسجد الأموي في العاصمة دمشق، سقط فجأة على الأرض من دون حراك نتيجة الرصاص الطائش لاحتفالات رأس السنة.
كما أن علي النجدي، الشاب العشريني الذي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصة وفاته وفي نفس العام، حين خسر حياته بسبب رصاصة طائشة مجهولة المصدر استقرت في قلبه بعدما اخترقت كتفه الأيسر، في تلك الفترة التي كان يحتفل فيها السوريون بنتائج الثانوية العامة.
القانون السوري جرم هذا الفعل منذ عقود، لكن حتى اليوم، لم يفلح في منعه، خصوصاً أن سوريا كانت تعيش حالة من عدم الاستقرار، رغم نشر تحذيرات عديدة ومتكررة على وسائل الإعلام عن عواقب إطلاق النار العشوائي والعقوبات المترتبة على مخالفي القانون، إلا أنه لغاية اليوم لم يسهم في توقف هذه الظاهرة الخطيرة، ويتجاهل الكثيرون المخاطر المحيطة، لذلك نرى عبثية مطلقي النار العشوائي رمزاً للتعبير عن الفرح، متجاهلين العواقب الوخيمة.
هل يفلح القانون
وفي رده على سؤال صحيفة ” الثورة”.. هل القانون السوري جرم هذا الفعل منذ عقود، إلا أنه حتى اليوم، لم يفلح في منعه، خصوصاً أن سوريا كانت تعيش حالة من عدم الاستقرار؟.
يوضح المحامي قيس عثمان أن إطلاق النار في المناسبات والاحتفالات يعتبر من العادات الاجتماعية المنتشرة لدى الكثير من أطياف الشعب السوري في احتفالات رأس السنة وفي الأعراس، وعند النجاح في الامتحانات، وفي الوفيات لدى البعض، وقد كان قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ١٤٨ لعام ١٩٤٩، وقانون الأسلحة والذخائر قد جرما إطلاق العيارات النارية في الاحتفالات والمناسبات.. إلا أن التطبيق العملي لم يرق إلى الطموح وإلى غاية المشرع، وبعد تحرير سوريا واستلام الإدارة الجديدة بالتزامن مع اقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة أصدرت غرفة العمليات بياناً تحظر فيه إطلاق الأعيرة النارية ابتهاجاً بقدوم العام الجديد وجاء فيه (نعلمكم أن إطلاق العيارات النارية في احتفالية رأس السنة ممنوع منعاً باتاً)، كما نصّ على عقوبة من يخالف هذا الحظر بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع غرامة مالية كبيرة بسبب مخالفته قانونين: الأول قانون حمل السلاح وعدم تسليمه، والثاني إطلاق النار.
” قصص نصرة، محمد، وعلي، والكثير غيرهم..” من الأبرياء الذين سقطوا ضحية الرصاص الطائش، ليست مجرد حوادث فردية، بل هي دليل مؤلم على أن الفرح الذي يساء التعبير عنه بالرصاص له ثمن باهظ يدفعه من “لا ناقة لهم ولا جمل”.
فحتى تعود الاحتفالات لحظات للفرح الصادق فقط، ويكون الأمان هو سيد الموقف، سيبقى الأبرياء هم من يدفعون ثمن الرصاص الطائش، ثمناً لا يمكن تعويضه ولا ينسى.