القراءة ” جسر ينقلنا من البؤس إلى الأمل ” الناقد أيمن الحسن لـ”الثورة”: “تحدّي القراءة” فرصة لصناعة الأدباء
الثورة – رنا بدري سلوم:
سأله.. وهو طالبٌ في الثّالث الثّانوي، وقارئ نهمٌ لكتب التحليل النفسيّ والفلسفة.. كيف تفهم تلك الكتب؟ أجابه الطالب: باللاوعي، ليس كل ما لا أفهمه اليوم، سيصعب عليّ فهمه فيما بعد!. ولطالبٍ آخر، هل هذا ملخّص الكتاب الذي قرأت؟ أجاب: لا إنّها وجهة نظري فيه!.
قصّتان واقعيّتان من قصصٍ كثيرة سردها لنا الأديب أيمن الحسن- عضو لجنة التّحكيم في محافظة دمشق لتصفيات مبادرة “تحدّي القراءة العربي” بموسمها التاسع على مستوى المحافظات السوريّة.
يذكّرنا الحسن “بفولتير حين قال: سُئلت عمن سيقود الجنس البشري؟ فأجبت: الذين يعرفون كيف يقرؤون”، وهو ما لامسه في عيون المشاركين بالأمس واليوم الأخير لختام المرحلة الثانية من المسابقة التي يشارك فيها نحو 2694 طالباً وطالبة من مختلف المراحل الدراسيّة، هم اليوم طلاب، وغداً سيكونون قادة فكر ورأي.
حضورٌ واثق 
عضو اتحاد الكتّاب العرب الناقد أيمن الحسن في لقائه مع صحيفة الثورة، وضعنا في أجواء المسابقة الحماسيّة لنحو ١٨٣ طالباً في محافظة دمشق مقسّمين ليومين، واليوم الخميس هو النهائي، مبيّناً أنّ ما يثلج الصدر مشاركة الطلاب وإقبالهم بلهفة على هذه المسابقة العربيّة، والتي سجّلت سوريا فيها نتائج مبشّرة في عدّة سنوات.
وعن أهميّة المسابقة، بيّن الحسن أنها تحفّز الطالب على القراءة التي بدورها توسّع دائرة الوعي عنده، وتصقل شخصيّته، فالقراءة ليست مجرّد قراءة بقدر ما تُحدث تأثيراً مهماً في شخصيّته وصقل مهاراته التي تظهر من خلال لغة جسده وتفاعله، وهو ما يرفع من درجات الطّفل في المسابقة، موضحاً أن مصفوفة التحكيم راعت بتوزيع العلامات من خلال عدد الكتب التي قرأها الطالب، نوعيّتها وعدد الأجزاء والمغزى الذي استخلصه الطالب، بالإضافة إلى تقييم اللغة ولغة الجسد، وكذلك ما يحفظ من مهارات تخص اللغة العربيّة.
وأكد أنّ المسابقة ليست لقاءات امتحانيّة بل هي لقاء تحفيزي واستفزازي ليثير في الطالب عدّة أساليب يثبت فيها ذاته من خلالها ويؤكد للجنة التحكيم أنه فعلاً هو من كتب وقرأ الكتب التي يتكلّم عنها ويشارك في المسابقة من خلالها.
خمسون كتاباً
شرط من شروط المسابقة، أن يقرأ الطالب في المرحلة الابتدائية والإعدادية خمسين كتاباً! وهذا الأمر ليس بالسهل، وخاصة لطفلٍ في المرحلة الابتدائيّة يختار قصصاً واقعيّة خياليّة، يقول الحسن: يحضر المشاركون دفاتر، يكتبون فيها ملخصاً لخمسين أو عشرين كتاباً، والأمر الجيّد والمثير للاهتمام أنّ التلخيص لا يكون فقط بمحتوى الكتاب، بل رؤية القارئ الطفل ووجهة نظره وهو ما يؤكّد لنا من خلال سؤالنا له وشرحه عن الكتب أنه هو من كتب بطريقته الإبداعيّة، مشيراً إلى أنّ الكتب الدينيّة التاريخيّة هي الكتب الأكثر تداولاً واستقطاباً للمتسابقين، وكأنّ الطفلة شام بكور، بعد فوزها بمسابقة تحدي القراءة العربي عام 2022، والتي تعتبر من أصغر المتسابقات وتميّزت بحبها للقراءة واهتمامها بالمعرفة بعد أن قرأت مئة كتاب في مجالات متنوّعة، قد أثّرت بالأطفال وقادتهم إلى حب القراءة والمشاركة في المسابقة بطريقها العفويّة والمحبّبة.
القراءة للجميع
ولفت إلى أن لجان لتحكيم شُكلت من منسّقي اللغة العربيّة وموجهيها ومدرسيها، وأنه ممثل عن اتحاد الكتاب العرب، الأمر الذي يفرض علينا أن نكون ملمّين بمصفوفة التحكيم وفق المعايير المحدّدة من قبل دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، ويطمح أن تكون مسابقة تحدّي القراءة مشروعاً وطنياً محلياً، يشارك فيه الأعمار المختلفة من طلاب جامعات أو حتى أطفال لا يدرسون تشجيعاً للقراءة، ولتكون المسابقة متاحة للجميع، ولا يكون المشروع عربياً وحسب، بل محلياً أولاً، وعلينا أن نخلق الفرص المتاحة لنكتفي ذاتيّاً في تمويل المسابقة وجوائزها كالسفر الذي يطمح به الطفل في مرحلة التتّويج، وإن لم يفز علينا أن نخلق جواً له كالقيام بزيارة سياحيّة لأماكن جميلة في المحافظات السوريّة تقديراً لهم ولجهودهم وفتح آفاق مستقبلهم فلا خاسر مع القراءة وإن كانت مثل تلك المسابقات ستظلم الكثيرين من الأطفال.
عند الكثير منّا تقاعس عن القراءة، لكن عند البعض المحبّب من الأطفال المشاركين في مسابقة تحدّي القراءة، يعيشون بالقراءة وكأنها وظيفة بيولوجية، وهو ما أكده الحسن لنا، أن المتسابق في تحدّي القراءة يقضي نحو خمس أو ثلاث ساعات يوميّاً، وخاصة الكتب الورقيّة وليست الإلكترونية، وهذا دليل على أن الكتاب الورقي مازال أنيساً للكثيرين من الأطفال وخاصة في استقطاب العالم الأزرق لهذه الفئة العمريّة التي ترغب في اكتشاف كل ما حولها.
القراءة تصنع أديباً
وعن أن القراءة تصنع أديباً.. أجابنا الناقد أيمن الحسن: نعم من خلال ما شاهدته هناك إبداع خلّاق لدى الأطفال، ويمكننا القول إننا اكتشفنا أنّ لدينا أدباء صغاراً يقرؤون كما يكتبون، ويجب ألاّ نتركهم بعد انتهاء المسابقة، بل يجب أن نرعاهم ونأخذ بيدهم إلى لجان متخصّصة تطلع على ذائقتهم الأدبيّة التي يمتلكونها ويدونوها على دفاترهم الخاصة، لكي يقدّم لهم الدعم والدفع مرفقاً بالنقد البنّاء، فالموهبة وحدها لا تكفي، فالأدب صنعة لا بدّ من تعلّمها باحترافيّة.
وكما قيل “القراءة جسر ينقلنا من البؤس إلى الأمل”، وهو ما يراه وتؤكده تلك الفئة، وعلينا الاهتمام ومتابعة شغفهم، فبمجرد أن تتعلم القراءة، ستكون حرّاً إلى الأبد، حرّاً من قيود الزمان والمكان، فبالحريّة الفكريّة نبني الإنسان ونقود الأوطان إلى عالم أفضل يسوده النور والسلام.