الثورة ـ هدى شمالي:
كانت التعبئة الموسيقيّة وقوّتها النهضويّة في صميم الحركة المدنيّة، ومن الصعب اسكاتها، وعلى حد تعبير عازف البيانو مالك جندلي: ” يخشى الديكتاتوريون، بشكل عام، من الفن والموسيقا، لأنه هو البحث عن الحقيقة والجمال”. وعلى ذلك نجد أن التعبئة الإبداعيّة اكتسبت في جميع أنواعها، بما في ذلك الاعتصامات والمظاهرات، اللافتات، والشعر، زخماً واسعاً في الأماكن العامة. وفي غضون أسابيع، تم كسر جدار الخوف والصمت، الذي استغرق عقوداً، وعرض النظام بوحشيّة لم يسبق لها مثيل ضد المعارضة والمظاهرات السلميّة.
تعبئة الجماهير
من هنا تعددت الأصوات التي ساهمت في تعزيز الثورة السوريّة من خلال الأغاني والأناشيد التي كانت تغنّى في المظاهرات. وكان لمنشدي الثورة دور كبير في تحفيز وتعبئة الجماهير، وعبرت أناشيدهم عن مطالب الشّعب السوري في الحريّة والكرامة والعدالة. كما أنها ساهمت في توحيد الصفوف بين الثّوار وتعزيز روح المقاومة.
توثيق الأحداث
وثقت الأناشيد الأحداث التي رافقت الثورة السورية، وأصبحت جزءاً من تاريخها. وتعتبر شخصيات مثل عبد الباسط الساروت وإبراهيم قاشوش من أبرز منشدي الثورة السوريّة، حيث اشتهروا بأناشيدهم الحماسيّة التي دعمت الثّورة، بالإضافة لهم ظهر العديد من المنشدين والفرق الإنشادية الأخرى التي لعبت دوراً مهماً في الثورة، مثل وصفي المعصراني وقاسم الجاموس وعبد الرحمن فرهود وغيرهم الكثير، وسنتعرف على أبرزهم على سبيل المثال لا الحصر.
رموز موسيقية
كانت البداية مع أغنية “يا حيف” للفنان سميح شقير، حيث غنّاها بداية الثّورة بتاريخ ٢٧ آذار ٢٠١١ ، ولامست ضمير وقلوب أغلب السوريّين بوصفها لوحشيّة النظام المخلوع. نشط إبراهيم القاشوش في حماة ببداية الاحتجاجات، واشتهر بتأليف الأغاني والشّعارات المناوِئة للنظام الوحشي، ومن أشهر أغانية: “يا عيني ويا روحي” و” ويا بشار ويا كذاب.. تضرب أنت وهالخطاب.. الحريّة صارت عالباب.. ويلا ارحل يا بشّار ” هذه العبارات رافقت كل مظاهرة تطالب بإسقاط النظام بشحنها الجذاب وكلماتها المعبّرة. قاد القاشوش المظاهرات المناهضة للنظام حتى تاريخ ٤ حزيران عام ٢٠١١ حيث عثر عليه مقتولا. أما عبد الباسط الساروت الذي كان حارس مرمى لنادي الكرامة، ولمنتخب سوريا للشباب، انخرط بالمظاهرات وأصبح مطرب الثورة، حيث قام بتأليف عدد من الأغاني والأناشيد، واشتهرت أغانيه الحماسيّة التي تدعو إلى النضال ضد النظام، ومن أشهر أغانيه “جنة جنة” و “يايما ثوب جديد.. زفيني جيتك شهيد” وغيرها الكثير. وعند مغادرته لحمص إلى الشّمال السوري، استشهد في إحدى المعارك ضد النظام يوم ٨ حزيران عام ٢٠١٩. وكان وصفي المعصراني يعيش في جمهورية التشيك، ووظف الموال السوري، وغنى “سكابا يا دموع العين سكابا.. على سوريا وشبابها”، كما غنى “حلم الشهادة” و”أصابع النصر” و “شدوا الهمة”. بينما اشتهر الفنان أحمد القسيم بأغانٍ تلامس الحدث السّوري، غنى للبلاد والشعب في ساحات الحريّة، ومن أشهر أغانيه “ارفع راسك فوق أنت سوري حر”. وكان المنشد قاسم الجاموس “أبو وطن” ابن داعل الحرّة، أحد أبرز الأصوات السوريّة التي صدحت بالأهازيج الشعبّية في المظاهرات ضد النظام الوحشي، مندداً بجرائمه إبان الثورة السوريّة. يقال أثناء زفافه شدا أغنية طابعها ثوري تحوّلت فيما بعد إلى رمز يحتفى به في أفراح الثوّار السّوريين. كرّس صوته لنقل معاناة السوريّين عبر الأناشيد، منطلقاً من إيمانه بأن “المظاهرات تبني وطناً”. أبرز أهازيجه: “أقسمنا بالله”، “درعا البلد” “سلام الله على إدلب” و” فكّوا الحصار عن حمص”، غادر إلى الشّمال، وعاد مع عمليّة ردع العدوان، إلا أنه توفي بحادث سير يوم ٤ آذار ٢٠٢٥، بعد أن شهد سقوط الطاغية.
بقيت الأغاني الثوريّة منبراً للسوريين منذ بدايات الثورة عام ٢٠١١ للتعبير عن مطالبهم، والتأكيد على سلميّة الثورة، وواكبت الأغاني الثوريّة جميع المراحل التي مرّت بها الثّورة وظلّت ثابتة بمطالبها.