الثورة – رنا بدري سلوم:
الكتابة لها طقسها ومزاجها وشغبها الخاص، قد نتشابه أو نختلف بممارستها حسب طِباعنا وشخصيّاتنا وميولنا وراحتنا النفسيّة.
لم تغب تلك الطقوس عن أهم الأدباء، بل تناولتها الدراسات والبحوث بتفاصيلها الدقيقة، فدخلت حياتهم اليوميّة وأزالت الستار عمّا يُخفى وراء الإبداع الأدبي، ولعلي أضرب بعض الأمثلة لتلك الأمزجة الفكريّة التي تركت أثراً مهماً في الأدب الغربي.
بدايةّ، عند الكاتبة الإنكليزيّة فيرجينيا وولف، كاتبة رواية “غرفة يعقوب”، التي لا تستطيع الكتابة بمزاج إلا وأمامها صمديّة “قفص وفي داخله رجل يتوسّل إليها للخروج”، وفقاً لما تقوله الدراسات.
وكانت تستلهم من سلوكها الغريب أفكارها الأدبية المعبّرة عن مشاعرها، والطقس الذي تعيشه أثناء التفريغ والتنفيس عمّا في داخلها من هواجس وهلاوس نفسيّة وأدبيّة، غير أن وولف اعتادت استلام كتاب يوم الجمعة، وقراءته يوم الأحد، وكتابة 1500 كلمة يوم الأربعاء، حتى يتسنى تحريره ونشره يوم الجمعة، كررت هذا الروتين الأسبوعي لمدة ثلاثين عاماً تقريباً، ومع ذلك لم تجد في الكتابة خلاصاً.. فماتت منتحرة!.
هل سمعتم عن أحدٍ يكتب واقفاً وهو منتعلٌ لحذاء أكبر من مقاسه..؟ إنه الكاتب الأميركي “إرنست همينغواي” الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1954، عن روايته “العجوز والبحر” والذي عرف بأغرب طقوسه الكتابيّة.
أما “فيكتور هوغو” صاحب رواية “البؤساء” لا يبدأ في الكتابة إلا بعد أن يخفّف من الثياب، كي لا يغادر المنزل، أو ينشغل بروتين الحياة اليومية.
تكتب وهي في مواجهة الحائط، كي لا يتشتت ذهنها، ولا يسرح نظرها وكأنها تضع حداً للمكان وتفتح أفقها الخاص، إنها فرناسين بروس، مؤلفة رواية “الملاك الأزرق”.
ويعيش المؤلف الأميركي دان براون، صاحب رواية “شيفرة دافنتشي”، طقساً عجائبياً، إذ كان أثناء الكتابة يطأطئ هامته بالمقلوب ليستمتع بالكتابة، مسترخياً ليستجمع أفكاره ويتماهى معها رأساً على عقب!.
واشتهرت أيضاً كاتبة الخيال العلمي يودورا ويلتي، بأنها كانت تلصق جميع الصفحات بعضها ببعض عند النهايات بدبابيس صغيرة لتشكل صفاً طويلاً من الورق حتى لا يتشتت تفكيرها عند الانتقال من صفحة إلى أخرى.
يُقال عن الكاتب الإيرلندي جيمس جويس: إنه لا يستطيع الكتابة إلا في سفينة وهي تجْنح، وقد يصل به الأمر إلى أن يذهب لتقديم مبلغ من المال لقبطان سفينة لمساعدته على أن يعيش هذه الحالة النفسيّة التي ينتظرها بفارغ الصبر!.
هناك كُتاب ومثقفون يمرون في حالات الطقوس الغريبة الخاصة بهم أثناء العصف الذهني والغوص في أتون الفكرة.. وإلا لا يولد إبداع يتحرّر من زمانه ومكانه ويخلق نفسه بنفسه.. بشغفه وشغبه الخاص.. فماذا عنكم؟!.