د. وفاء رجب لـ “الثورة”:الغابات رئة الكوكب وحمايتها من الحرائق ضمان عودتها

الثورة – سهى درويش:

التهمت الحرائق مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية والحقول المثمرة، في جبال اللاذقية، وحوّلت التلال الخضراء إلى بؤر سوداء يغطيها رماد الأشجار المحترقة، وقلق وخوف على حياة القاطنين وأرزاقهم، ولكن أمام بؤر النار يتقد الأمل وتُستجمع الهمم لإنقاذ ما أمكن لترميم الغطاء النباتي.

50 عاماً لتعود الغابات

في حديث مع نائب عميد المعهد العالي لبحوث البيئة الدكتورة وفاء رجب أشارت إلى أن الحرائق تحدث لأسباب عديدة منها: المناخية (نتيجة صاعقة، أو جفاف شديد مترافق مع رطوبة منخفضة ورياح شديدة بوجود الوقود الذي هو عبارة عن بقايا النباتات المتراكمة بأرض الغابة).

أما الأسباب البشرية- بحسب رجب- تكون بحريق متعمد، أو بغير قصد كالإهمال، ترك بقايا النباتات (أوراق أو أغصان متراكمة بأرض الغابة أو ترك النفايات وتحتوي قطع زجاجية تكثف الأشعة الشمسية وتشعل شرارة الحريق الأولى)، أو تحريق أراضٍ زراعية مجاورة، أو التفحيم، أو نتيجة حوادث مرورية أو ماس كهربائي بسبب قرب أغصان الأشجار من الأسلاك الكهربائية)، مشيرة إلى أن الرياح الحارة الجافة تعد من أهم العوامل المساعدة على انتشار الحريق، وزيادة المساحة المحروقة.

أما داخل الغابات الأوجية المعمّرة فقد نوّهت الدكتورة رجب بوجود المناخات الدقيقة الرطبة، والوقود الرطب، والريح المنخفضة السرعة، وبالتالي فإن الحرائق الكبيرة نادرة الحدوث، وتسمى هذه المواقع مقبرة الحرائق.

وبينت أن فصل الخريف هو الفصل الذي تحدث فيه أكبر نسبة للحرائق بسبب ترافق الحرارة المرتفعة مع الرطوبة المنخفضة، وبوجود رياح قوية تصبح الظروف مواتية جداً لحدوث الحرائق، ويساهم المناخ بزيادة انتشارها، وخاصة إذا ترافق ذلك مع التضاريس الجبلية والمنحدرات الصعبة الموجودة في مناطق غاباتنا.

كذلك الأمر بالنسبة للأنواع النباتية السائدة المنتشرة والمتمثلة بالصنوبريات، وخاصة الصنوبر البروتي سريع الاشتعال يحتوي على أكواز الصنوبر تنتشر لمسافات بعيدة حين تصلها الحرارة مساهمة أيضاً بنشر الحرائق أكثر.

وأضافت د. رجب: بناءً على ما سبق فإن الظروف المناخية في الفترة الحالية (حرارة مرتفعة ورياح شديدة)، ولكن الرطوبة عالية ولذلك الحرائق ليست بفعل المناخ بشكل مباشر، وإنما ساعد المناخ في انتشارها، ووعورة التضاريس صعّبت عملية الإخماد.. ومن المعروف أن الغابات المتوسطية هي غابات حساسة للحرائق بسبب طبيعة المناخ السائد فيها (صنوبريات وغيرها ) .

ترميم الغطاء النباتي

وأوضحت د. رجب إمكانية ترميم الغطاء النباتي بالاستعانة بحراجيين اختصاصيين في إدارة الغابات وإدارة الحرائق، وهناك ضرورة لحماية الغابات خلال الفترة التالية للحريق ومنع استغلالها لتحويلها لأراضٍ زراعية أو سياحية أو غيرها، لأن الغابات هي رئة الكوكب، وأهميتها تعود على سورية كلها والدول المجاورة، وخاصةً غابات الفرنلق هي من الغابات المعمّرة النادرة في المنطقة، ويتوجب علينا جميعاً حمايتها وإدارتها إدارة سليمة وصحيحة.. ومن المعروف أن أي غابة تعرضت لحريق ضخم كالذي يحدث الآن تحتاج 50 عاماً لتعود كما كانت عليه قبل الحريق.

ولفتت إلى الأثر الكبير لقلة الأمطار في الشتاء السابق، والذي ساهم في جفاف الهواء والتربة وقلة المياه الجوفية ومياه البحيرات، وكانت عاملاً مساعداً لانتشار الحرائق وصعوبة إخمادها.

مياه البحر وتأثيرها على التربة

وعن آثار مياه البحر المستخدمة في إطفاء الحرائق، قالت الدكتورة رجب: كما علمنا كانت هناك حالة اضطرارية لاستخدام مياه البحر لإخماد الحريق، وهي مياه شديدة الملوحة قد تكون قدرتها على إطفاء الحريق بسرعة أكبر، ولكن آثارها ستظهر لاحقاً بالضرر على نباتات وترب المنطقة وقد تؤثر سلباً على عودة التنوع الحيوي لاحقاً.

أوضحت أن شدة تأثير الحرائق ترتبط بعدة عوامل مثل: نوع الحرائق، تكرارها، قوام الترب، نوع الغابة، عمرها، والتركيب النباتي فيها، فمن أهم تأثيرات الحرائق في البيئة هو ازدياد احتمال حدوث حرائق إضافية في السنوات اللاحقة، وازدياد الأنواع المتحملة للحرائق وغياب الأنواع الحساسة، وقد تسود الحشرات والأمراض التي تخلق اضطراباً في التوازن البيئي، كما تؤثر الحرائق في التربة، والماء، وفي التنوع الحيوي، وتسهم في زيادة غازات الدفيئة.

وأكّدت الدكتورة رجب أن الحرائق تؤثر بشكل كبير في خصائص التربة الفيزيائية والكيميائية، فهي ترفع درجة حرارتها التي تعمل على تحويل الآزوت العضوي القابل للتحلل إلى أشكال معدنية غير متاحة لجذور النباتات، وبالتالي خسارته، إذ تحرق النار فرشة الغابة المغطية لسطح التربة، وتسبب في المناطق الجافة الحارة الخسارة بالمادة العضوية في التربة، وخاصةً الآزوت، كما أن حرارة النار تقتل الكائنات الحية الموجودة في التربة كلياً أو جزئياً.

أما في المناطق الرطبة وشديدة الرطوبة فإن الحريق يحفّز الكائنات الحية الدقيقة للتكاثر والنشاط بشكل كبير، وتعمل بعد الحريق مباشرة على تثبيت الآزوت لتعيده بأقل من سنة إلى ما كان عليه قبل الحريق، وتراكم الرماد على سطح التربة الذي يتفاعل مع مكونات التربة بعد هطول الأمطار لتتكون تربة جديدة ذات خصائص خصوبية جيّدة، وهذه من بعض التأثيرات الإيجابية للحريق.

التأثير الفيزيائي للحرائق

أما فيزيائياً فتزداد قساوة التربة بعد الحريق وينقص معدل رشح الماء ضمنها، ويزداد معدل الجريان السطحي، وينخفض معدل التسرب، ويحدث جفاف التربة.

وأضافت الدكتورة رجب: إن ارتفاع درجات الحرارة، وهطول الأمطار الخفيفة خلال الشتاء الذي يلي الحريق، يسهم في استعادة الغطاء النباتي من إنبات البذور المتحملة للحريق، والتي تتأهب بالحرارة للنشاط والإنبات، أما إذا كانت هذه الأمطار غزيرة فقد تسبب على المنحدرات الحادة انجراف التربة، وخسارة المواد المغذية.

كما تؤثر الحرائق أيضاً في تركيب المجتمعات النباتية، حيث تختلف النباتات في مقدرتها على تحمل الحريق حسب النوع، فتبقى النباتات المقاومة للحريق، بينما تزول الأنواع الحساسة، وخاصة أن الخطر الأكبر على التنوع الحيوي هو حدوث الحرائق في البيئات الهشة وغير المستقرة.

وأشارت إلى أن تجدد النباتات بعد الحريق يعتمد على الأنواع الموجودة والعوامل البيئية للموقع، وتعد النباتات ذات الأوراق العريضة أكثر مقاومة للحرائق من غيرها.. وبشكل عام تصنّف الأنواع بحسب مقاومتها للحرائق إلى قسمين:

أنواع نباتية نشطة تقاوم الحريق من خلال انتشارها الكثيف، وقدرة بذورها على الإنبات بعد الحريق مثل الصنوبر البروتي عشرة، بذورها أكثر قدرة على الإنبات.

وأنواع نباتية غير نشطة تقاوم الحريق بواسطة القشرة الفلينية السميكة، مثل السنديان القوقازي الفرعي، أو بوجود براعم ساكنة أو كامنة تعود للنمو بعد تخرب الأعضاء المحروقة، مثل السنديان القرمزي، فالصنوبريات لها مخاريط (تتأخر بالانفتاح)، تشكل هذه المخاريط بنكاً للبذور، وتبقى محميةً حتى عندما يؤثّر الحريق على الشجرة، وبذور مثل هذه الأشجار تصبح بعد الحريق أكثر قدرة على الإنبات، كما أن وجود بعض الأشجار غير المحترقة القريبة من موقع الحريق قد يسهم بزيادة عدد البذور، وبالتالي وجود البادرات بعد الحريق.

وأشارت الدكتورة رجب إلى أن هناك أنواعاً لها بذور تحتفظ بحيويتها لفترات طويلة من الزمن تزيد على 20 سنة ضمن التربة ما يجعلها تنبت وتوجد بغزارة، وتسيطر بعد الحريق مثل القريضة، ولوحظ أيضاً زيادة بعض أنواع الفصيلة القرنية بعد الحريق، والتي لها القدرة على تثبيت الآزوت الجوي، وبالتالي تعويض الآزوت العضوي الذي تم فقدانه خلال الحريق.

لنا كلمة..

حرائق الساحل بما ولّدته من كوارث على رئة الطبيعة، طالت الإنسان أيضاً بقلبه ورئته، وسببت اختناقات صحية وماديّة، وحوّلت أكثر من 15 ألف هكتار إلى رماد، ومن هنا لا بدّ من تسليط الضوء على هشاشة الغطاء النباتي في الساحل السوري، والحاجة إلى خطط وقائية صارمة للحد من الحرائق، وتعزيز ثقافة الوعي المجتمعي للتشجير وكيفية التعامل مع مخاطر الحرائق.

وفيما تنقشع سحب دخان النار، يبقى أثرها طويل الأمد محفوراً في الطبيعة ووجداننا، بانتظار تعافي الأرض واستعادة ما فقدته من جمالية وحياة.

آخر الأخبار
"يداً بيد".. ثلاث سيارات إسعاف بالخدمة بريف حمص واقع مياه الشرب بحمص في اجتماع مجلس المحافظة مشروع رقمي متكامل للأمن والمراقبة في حسياء الصناعية نساء طرطوس يبدعن في المشاريع الصغيرة لمساندة أسرهن محافظ حلب: تعزيز حضور المرأة في ميادين العمل المجتمعي والوطني التحدي النهائي للمسابقة البرمجية ينطلق في جامعتي اللاذقية وطرطوس تمكين طلاب الدراسات من أدوات البحث العلمي وربطه بالواقع الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز ترحب بدخول قوى الأمن والجيش إلى السويداء خريطة تنفيذ محدودة ومصير غامض لحيي الشيخ مقصود والأشرفية بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة.. "الدفاع" تعلن وقفاً تاماً لإطلاق النار في السويداء تأكيد على الشراكة واستمرار التعاون.. اختتام أعمال اللجنة الأردنية - السورية المشتركة في عمّان تربية القنيطرة تنجز تصحيح 6 مواد بشهادة التعليم الأساسي برنامج تدريبي للّقاح الوطني الموسّع في القنيطرة حشرة بسيلا.. آفة خطيرة تضر بحمضيات طرطوس تعزيزاً للشراكات التعليمية.. "التربية" تبحث التعاون مع شبكة الآغا خان انطلاق فعاليات المدرسة الصيفية الدولية للذكاء الصنعي الطبي افتتاح أعمال اللجنة الوزارية الأردنية - السورية المشتركة في عمّان يُحقّق فرصَ عمل وجدوى اقتصادية.. تدوير أنقاض الأبنية المُدمَّرة يخفف كلفة البناء عندما تحدث جولات المسؤول فرقاً.. جولة للوزيرة تغلق مركز الكسوة لتأهيل المتسولين للمخالفات   الهاتف الأرضي في ريف دمشق.. بين فوضى الأسلاك وصمت المسؤولين