الثورة – بسام مهدي:
في خطوة بالغة الأهمية على طريق بناء اقتصاد وطني رقمي قادر على استيعاب متطلبات التحول التكنولوجي العالمي، احتضنت دمشق أعمال القمة الوطنية للشركات الناشئة، والتي نظّمتها وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات بمشاركة فاعلة من أكثر من 140 شركة ناشئة تمثل مختلف المحافظات السورية.
وتعدّ هذه القمة، في توقيتها ومضمونها، مؤشراً واضحاً على انتقال سوريا من مرحلة التعافي التقني إلى مرحلة تأسيس بيئة وطنية مستدامة لريادة الأعمال والابتكار.
تحول في الرؤية الحكومية
ما يلفت النظر في كلمات المشاركين الرسميين، ولاسيما تصريح وزير الاتصالات والتقانة عبد السلام هيكل، هو التحول الجذري في النظرة الحكومية إلى قطاع الشركات الناشئة، ليس باعتباره مكملاً اقتصادياً، بل بوصفه رافعة أساسية للنمو والتنمية وركيزة من ركائز الأمن الرقمي والسيادة التقنية.
تأكيد الوزير على تسخير الموارد الحكومية، وتقديم التسهيلات التشريعية، وربط البنية الرقمية السورية بالشبكات العالمية، يعكس توجهاً جديداً أكثر انفتاحاً وواقعية، يراهن على الكفاءات السورية الشابة بوصفها رأس مال معرفياً لا يقل قيمة عن النفط أو الزراعة أو الصناعة التقليدية.
كلمات مستشار الابتكار والشركات الناشئة، أحمد سفيان بيرم، جاءت لتدعم هذا التوجه، عبر تأكيده أن القمة ليست فعالية علاقات عامة، بل مساحة عمل واقعية لبناء السياسات من أرض الواقع.
وهنا تكمن القيمة الحقيقية لهذا الحدث: تأسيس نموذج تشاركي فعلي بين الدولة والبيئة الريادية، يقوم على الحوار المباشر، والشفافية، وبناء الثقة، وليس على التوجيه من فوق.
هذا النموذج إذا ما تم تعزيزه بالتشريعات والتمويل والتدريب، يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل نوعي في الاقتصاد الوطني.
التقنية في خدمة الأمن الرقمي
أحد أبرز الإعلانات خلال القمة تمثل في إعلان معاون الوزير محمود موسى بإطلاق باقات رسائل OTP خاصة تُمنَح للشركات الناشئة، بهدف تشجيعها، بالتعاون مع شركتي سيريتل وMTN، والمخصصة لدعم الشركات الناشئة، خصوصاً في القطاعات المالية.
هذه الخطوة ليست فقط تقنية بل وقائية واستراتيجية، إذ إن اعتماد التحقق الثنائي يعدّ من أقوى أساليب الحماية السيبرانية، ولاسيما مع تصاعد الهجمات الإلكترونية إقليمياً وعالمياً.
من خلال هذه الخطوة، تُظهر الحكومة السورية وعياً متزايداً أن التحول الرقمي لا يكتمل إلا ببنية حماية متينة تعزز ثقة المستخدمين والمستثمرين معاً.
النقطة المفصلية في نجاح هذه القمة لا تكمن فقط في عدد الحضور أو جودة التصريحات، بل في قدرة وزارة الاتصالات على تحويل التوصيات إلى خطط تنفيذية، بالتنسيق مع باقي الجهات ذات العلاقة، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد والتعليم العالي والمصارف العامة والخاصة.
وإذا ما تمّ البناء على هذه القمة بخطة وطنية متكاملة تتضمن: حاضنات أعمال ممولة، وتشريعات مرنة، وحوافز ضريبية، وفتح أبواب التصدير للشركات البرمجية، وشراكات أكاديمية مع الجامعات.. فإن سوريا ستكون أمام فرصة استثنائية للانخراط في الاقتصاد المعرفي العالمي، من بوابة أبنائها المبتكرين.
إن القمة الوطنية للشركات الناشئة ليست فقط مناسبة تنظيمية، بل لحظة تأسيسية لما يمكن أن يكون مساراً جديداً في التفكير الاقتصادي الوطني.
ومع توفر الإرادة السياسية، والدعم المؤسسي، ووجود طاقات شبابية طموحة، يمكن لسوريا أن تعيد التموضع في الخريطة التكنولوجية، لا كمستهلكة، بل كمنتجة ومصدّرة للحلول الإبداعية.. هذا هو التحدي… وهذه هي الفرصة.