الثورة – تحقيق جهاد اصطيف:
في زوايا العديد من أحياء حلب، تكتشف وجوهاً مشوهة وأجساداً أنهكها مرض صامت، لا يعلن حضوره إلا بندبة تتسع ببطء، ويترك أثراً عميقاً لا يمحى!.
إنها “اللاشمانيا”، هذا المرض الطفيلي الذي كانت المجتمعات السورية تعرفه على الهامش، عاد اليوم بقوة وسط بيئة أنهكتها الحرب، وتركز في بعض المناطق بسبب ضعف الخدمات الصحية..
فما أسباب هذا الانتشار، وماذا تفعل الجهات الصحية لمواجهة المرض، وهل تكفي حملات الرش وحدها؟..
صحيفة الثورة في هذا التحقيق استطلعت الأمرمع المعنيين والمواطنين.
اللاشمانيا .. العدو الصامت
بحسب الأطباء، لا يعتبر المرض مميتاً، لكنّه يتسبب في تشوه دائم للجلد، ويمثل خطراً نفسياً واجتماعياً، خاصة للأطفال والنساء.

وضع مقلق في حلب
مديرية الصحة أطلقت حملة رش شاملة بالمبيدات الحشرية، بدأت قبل أيام واستهدفت في مرحلتها الأولى أكثر من 50 بالمئة من مناطق محافظة حلب، ضمن خطّة مرحلية تنقسم إلى قسمين.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم المديرية بتوزيع ناموسيات مشبعة بالمبيد وكمامات، فضلاً عن تأمين العلاج المجاني للمصابين في المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة.
قصص من الميدان
أم حسام، ربة منزل من حي صلاح الدين، تروي لصحيفة الثورة: ابني عمره 8 سنوات، ظهرت على وجهه حبة صغيرة، قلنا في البداية :إنها لدغة ناموس، لكن بعد أسبوعين أصبحت الحبة كبيرة ومفتوحة، وأخبرَنا الطبيب أنها “حبة سنة”، لتبدأ بعدها معاناتنا الحقيقية مع رحلة علاجه، من خلال مراجعة المركز في الحي أسبوعياً، وليت الأمر يقف عند هذا الحدّ، بل زادت معاناتنا أكثر عندما لم يعد يرضى الذهاب إلى المدرسة لأن أصدقاءه صاروا يخافون رفقته ويعيرونه.
أبو محمود، عامل نظافة، يقول: وضع مجرورالصرف الصحي في منطقة سكننا ليس جيداً، إذ تكثر فتحات المجرور المكشوفة والنفايات، ونحن نعرف أن هذه الحشرات مصدرها من المجاري، لكن لا توجد حلول جذرية، نحتاج عملية تنظيف وترحيل دورية من البلدية قبل الرش، إلا أن ذلك لم يحدث بعد.
“بلال”، طفل لا يتعدى عمره خمس سنوات، وقد أصيب بالمرض في وجهه، وهو يتلقى العلاج منذ أشهر، ولايزال، يقول والده: إن المرض مرتبط على ما يبدو بالتلوث البيئي وانتشار القمامة وضعف عمليات التنظيف، وقلة الوعي بأهمية النظافة، داعياً إلى ضرورة تضافر كلّ الجهود الصحية والبيئية لتلافي أسباب وجود الحشرة المسببة للمرض في مختلف أحياء حلب، خاصة الشعبية منها.أم محمد، امرأة في الخمسين من عمرها، من سكان حي الأشرفية، مصابة بعدة لسعات، قالت: إن هذه الحبة التي تظهر نتيجة لسعة حشرة لا تتم معالجتها إلا بإبر تضرب في نفس مكان الحبة، لذلك غالباً ما تحفر مكانها بشكل يسبب تشوهاً واضحاً، ونصحت الأمهات ألا يتركن أولادهن عرضة للإصابة وأن يهتممن بموضوع النظافة، لأن أي تشوه يصيب الأطفال، خاصة البنات، سيسبب إحراجاً في المستقبل، خاصة إذا كانت اللسعة في الوجه.
ويقول راضي، وهو رجل ستيني: إن الأمر مهيأ لجعل “حبة السنة” تنتشر بشكل كبير بين الأهالي بسبب كثرة النفايات في كلّ حارة وكلّ شارع من الأحياء، وباعتبار أن مجلس المدينة عبر قطاعاته، يتجاهل ترحيلها في الكثير من الأحيان أو رشها بالمبيدات الحشرية لمكافحة الحشرات والقوارض بانتظام.
ويردف: نسمع ونقرأ بين الحين والآخر، عن تكثيف حملات الرش، في أحياء، تكثر فيها الحشرة، وأنا أقطن في حي بني زيد، حيث انتشار الأوساخ حول الحاويات وكثرة تربية المواشي بالمنطقة والنباشين وسواها، ومع ذلك لم تأتنا فرق أو آليات الرش.

تحديات تواجه الحملة
ومن هنا، يؤكد الأطباء أن مكافحة اللشمانيا لا تتم فقط من خلال المبيدات والعلاج، بل يجب أن تبدأ من إزالة أماكن توالد الذبابة (القمامة، المياه الراكدة)، واستخدام الناموسيات، خصوصاً للأطفال، وتغطية الجروح وتجنب حكها، ومراجعة المراكز الصحية فور ظهور أي حبة مشبوهة.
في ظل الظروف الحالية، تعد حملة رش اللشمانيا محاولة جدية للسيطرة على المرض والحد من انتشاره، لكن الأمر يتطلب خطة متكاملة طويلة الأمد، تجمع بين الإجراءات الطبية، والحلول البيئية، والتوعية المجتمعية، فالمرض ليس جديداً، ولكن المواجهة هذه المرة يجب أن تكون حاسمة، فالصحة العامة هي خط الدفاع الأول لأي مجتمع، وحلب اليوم تخوض حربها الخاصة ضد “ذبابة الرمل”.
