الرواتب عاجزة والأسعار بلا سقف ..هل ستكون الزيادة المرتقبة حلاً على طريق تخفيف الأوجاع؟!

الثورة – تحقيق جهاد اصطيف:

 

رغم الأرقام الرسمية التي تشير إلى تحسن نسبي في سعر صرف الليرة السورية، وتراجع طفيف في بعض أسعار السلع، إلا أن الواقع المعيشي لغالبية الأهالي لا يزال مثقلاً بالهموم اليومية والتحديات المستمرة، إذ تبقى الرواتب غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وأجور السكن، وتكاليف الخدمات الأساسية، وتحرير أسعار سلع كانت مدعومة سابقاً، كالخبز والغاز.

الأرقام لا تكذب

تتباين الروايات ما بين مؤشرات رسمية تعلن عن تحسن اقتصادي نسبي، وشهادات واقعية تصف الحال بـ”المأساوي”، وتتجلى في هذا التناقض، الفجوة العميقة بين الأرقام الورقية ومشهد السوق الحقيقي.

مريم عبد الغفور، ربة منزل خمسينية، تسكن في حي صلاح الدين بمحافظة حلب، تلخص وضعها قائلة: الحديث عن انخفاض أسعار بعض السلع الغذائية لا قيمة له، لأن الراتب يذهب من اليوم الأول في الشهر للخبز والغاز، أما السكن فيحتاج إلى راتبين أو ثلاثة.

وتضيف في حديثها لصحيفة الثورة: زوجي موظف حكومي يتقاضى راتباً شهرياً لا يتجاوز 420 ألف ليرة سورية – قبل الزيادة الأخيرة – وهذا المبلغ لا يغطي سوى جزء يسير من احتياجاتنا، فكلفة إسطوانة الغاز تتجاوز 130 ألف ليرة شهرياً، ناهيك عن نفقات الخبز والكهرباء البديلة “الأمبيرات شقق” والنقل والدواء.

الراتب لا يغطي ثمن الخبز

أما نهاد، متقاعد في الثانية والستين من عمره، وأب لسبعة أولاد، بينهم ثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فيقول: معاشي التقاعدي لا يتجاوز 300 ألف ليرة، فقط ثمن الخبز الذي نستهلكه يومياً يعادل 12 ألف ليرة، أي 360 ألف شهرياً، أي أن راتبي لا يغطي حتى ثمن الخبز وحده!. ويكمل نهاد الحديث بأسى قائلاً: إيجار منزلي ارتفع خلال عام واحد من 250 ألفاً إلى 750 ألف ليرة، نعيش على الدعم الذي يقدمه ابني الأصغر، الذي يعمل طيلة اليوم في ورشة ميكانيك، لكنه لم يتمكن من تأسيس حياته بسبب التزامه بدعمي أنا وإخوته.

تحسُّن نظري

في خضم الحديث عن زيادة الرواتب بنسبة 200 بالمئة، والتي لم تدخل فعلياً حيز التنفيذ بعد، والتي ينتظرها المواطنون في أول الشهر القادم، يتمنون أن يكون لها تأثير في تحسين مستوى معيشتهم.

زكريا، موظف حكومي يبلغ من العمر 45 عاماً، يوضح أن الراتب الجديد لن يغطي أكثر من 30 بالمئة من احتياجاته الشهرية، يقول: نحتاج شهرياً إلى ما لا يقل عن 3 ملايين ليرة سورية لنعيش بحدود الكفاف، راتبي، حتى بعد الزيادة، لن يكفينا سوى للطعام، من دون أن يشمل الملابس أو الطبابة أو النقل، لذا أعمل مساءً في مكتب عقاري لتغطية باقي المصاريف.

كما أن الإيجارات في حلب باتت هاجساً ثقيلاً يؤرق معظم الأسر، وخاصة في ظل الدمار الواسع التي شهدته المحافظة خلال الحرب، وعودة بعض المهجرين والمغتربين، ما خلق ضغطاً هائلاً على سوق العقارات.

يقول خليل الحجو، صاحب مكتب عقاري في حي الأشرفية: الطلب يفوق العرض بكثير، والأسعار خارجة عن السيطرة، في الأحياء الشعبية كالفردوس والسكري وصلاح الدين، تتراوح الإيجارات بين 500 ألف إلى مليون ليرة سورية شهرياً، أما في المناطق الأرقى مثل الفرقان وحلب الجديدة، فقد تصل الإيجارات إلى أكثر من 60 مليون ليرة سورية سنوياً.

ويضيف: أصبح الكثير من ملاك العقارات يعتبرون الإيجار مصدر دخل رئيسي، فيطالبون بدفعات سنوية مسبقة، وهو أمر يفوق قدرة معظم المواطنين الذين يعانون أصلاً من تأمين مصاريفهم الشهرية.

الدعم الفعلي غائب

في خضم هذه الدوامة، يعيش أهالي حلب في مواجهة يومية مع متطلبات لا ترحم، الرواتب لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات، والدعم الفعلي غائب، والأسواق في حالة تقلب دائم.

يقول أحمد- موظف في القطاع الخاص، ويعيل عائلة من خمسة أفراد: كل ما نسمعه عن التحسن مجرد وعود، راتبي 800 ألف ليرة، لكن إيجار المنزل وحده 600 ألف، كيف يمكن لعائلة أن تعيش بالمبلغ المتبقي؟ لم نعد نأكل اللحوم، بل حتى الفواكه أصبحت رفاهية.

وتؤكد أم عبدو، بائعة في سوق الهال: الناس تشترى بالقطعة في كثير من الأحيان، لم يعد أحد يشتري بكميات، الكل يحسب بالقطعة.

وتتابع: منذ ثلاث سنوات كنت أبيع ما قيمته 500 ألف ليرة سورية يومياً، اليوم لا يتجاوز بيعي 150 ألفاً، رغم ارتفاع الأسعار.

سوق بلا ضوابط

تتبنى الحكومة ما تسميه بسياسة “السوق الحر التنافسي”، وفق تصريحات متكررة من وزارة الاقتصاد، مشيرة إلى أن تسعير السلع لا يتم بشكل مباشر، بل عبر ضبط عام للسوق ومحاربة الاحتكار.

لكن المراقبين الاقتصاديين يرون في هذا النهج سبباً رئيسياً في تفاقم الأزمة المعيشية، خاصة مع ضعف أدوات الرقابة وتفاوت القدرة الشرائية بين المواطنين. الخبير الاقتصادي فادي الحمود يوضح أن تكلفة المعيشة لم تعد قابلة للتقدير المنهجي، بسبب الفوضى السعرية وغياب الاستقرار في السوق، ويقول: رغم ما يُقال عن انخفاض تكلفة معيشة الأسرة السورية بنسبة 13 بالمئة في الربع الأول من 2025، فإن هذا التراجع لا يعكس تحسناً حقيقياً، بل هو نتيجة لتقشف قسري فرضته الظروف، وإعادة ترتيب الأولويات لمصلحة البقاء، لا أكثر.

ويضيف: سياسة تجفيف السيولة الحكومية أثرت في تحسين قيمة الليرة، وبالتالي في أسعار بعض السلع غير الأساسية، لكنها لم تشمل المواد الحيوية مثل الخبز والوقود والغاز، التي بقيت أسعارها مرتفعة بسبب حصر الاستيراد بالدولة وانخفاض كميات التوزيع.

بانتظار التنفيذ

المواطن الحلبي يتساءل اليوم: إلى متى ستبقى الرواتب عاجزة، والأسعار بلا سقف، والدعم غائب؟ وهل ستكون الزيادة المرتقبة حلاً فعلياً؟ الجواب لا يزال في علم الغيب، والمواطن وحده من يدفع الثمن كل يوم، في معركة لمواجهة متطلبات الحياة. ومع سعي الحكومة إلى إصلاحات اقتصادية حقيقية، وتحسين فعلي للدخل، يظل الحديث عن “التحسن” مجرد أمل، لا ينعكس على مائدة الطعام، ولا في جيب المواطن الذي بات يعيش على الكفاف، وفي أحسن الأحوال، على أمل مؤجل.

آخر الأخبار
الربط الإلكتروني مشوه.. وما نحتاجه فوترة حقيقية جرعة تحذير بعد الحرائق الأخيرة.. التغيّر المناخي بات واضحاً والعوز الغذائي أول المظاهر إسرائيل تزرع الفوضى وتعرقل عودة سوريا إلى الحياة الطبيعية قافلة مساعدات جديدة تشمل 27 شاحنة تتوجه إلى السويداء حرائق الساحل كارثة حقيقية.. وخسائرها مضاعفة بسبب اتساع رقعتها وطول مدتها مؤذٍ وجارح.. وقد يكون قاتلاً التنمر الإلكتروني.. أضرار نفسية واجتماعية عميقة مادة الرياضيات المؤتمتة.. تجربة لاقت الاستحسان انتقادات دولية متزايدة لإسرائيل بسبب الأزمة الإنسانية في غزة "محروقات طرطوس" تكثف الرقابة على معتمدي بيع أسطوانات الغاز المنزلي الجغرافيا.. مادة جافة ترهق الذاكرة وتثقل كاهل طلاب الأدبي قلق وانتظار وأمل.. امتحان الرياضيات يترنٌح بين التوتر والآمال المعلّقة إفشال محاولة تهريب أخشاب من مواقع التحريج في كفر حلب لم يدفعها ظلام البصر للاستسلام.. ليال حمد.. أول معيدة كفيفة في جامعة طرطوس عرض أردني لتزويد سوريا بالغاز المنزلي دير "مار إلياس الريح".. شاهد على قرون من التاريخ والعمارة القديمة نجاح عملية فصل توءم ملتصق سوري بالسعودية المجاعة تنهش غزة .. والاحتلال يصعد عدوانه "البكالوريا".. كابوس الهلع للطلاب وذويهم د. غسان الخلف: سياسات تربوية لبناء، جيل متوازن ومجتمع متكام... رئيس تحرير صحيفة عسير "لـ"الثورة": سوريا تعود والمملكة السعودية تحتضن المؤتمر الأول لذوي الإعاقة في إدلب.. دعوة لتعزيز الشمول والمشاركة المجتمعية