فقدان أدوية مرضى السرطان.. مأساة تبحث عن حل

الثورة – لينا شلهوب:

في أروقة المستشفيات، وبين أسرّة المرضى، تُسمع أناتٌ مكتومة لا تعود فقط لآلام السرطان، بل لجرحٍ آخر أكثر قسوة، ألا وهو غياب الدواء.

ففي ظل أزمة نقص بعض الأدوية، برزت ظاهرة فقدان أدوية مرضى السرطان كإحدى أخطر القضايا الصحية والإنسانية، لا يعني التأخير في الجرعة تراجعاً مؤقتاً للحالة فحسب، بل قد يكون الفاصل بين الحياة والموت، فالأزمة لا تطرق باب مريض بعينه، بل تجتاح الجميع، تاركة خلفها قصصاً مؤلمة، وأسئلة لا تنتهي عن مسؤولية الجهات المعنية ودورها في إيجاد حلول عاجلة.

بروتوكولات علاجية

يعتمد مرضى السرطان على بروتوكولات علاجية دقيقة، تشمل جرعات دورية من أدوية كيماوية أو بيولوجية، وأي تأخير أو انقطاع في هذه الجرعات قد يؤدي إلى انتكاس المرض أو تدهور الحالة، إلا أن النقص المستمر في الأدوية جعل مئات المرضى يواجهون مواعيد علاج فارغة، وأطباء عاجزين عن إكمال الخطة العلاجية وفق المعايير الطبية.

وتشير تقارير بعض المراكز الطبية إلى أن الانقطاع قد يمتد لأسابيع، ما يدفع المرضى إلى البحث عن الدواء في السوق السوداء بأسعار باهظة، أو طلبه من الخارج بطرق غير مضمونة، وفي ظل هذه الظروف، تصبح رحلة العلاج معقّدة أكثر، ليس بفعل المرض وحده، بل بسبب ضعف منظومة الإمداد الطبي.

من قلب المعاناة

صحيفة الثورة أجرت عدة لقاءات بعد ورود الكثير من الشكاوى في هذا الشأن، أم أحمد العبد الله (42 عاماً)، مريضة بسرطان الثدي، تقول: “كنت أراجع المستشفى كل ثلاثة أسابيع لتلقي جرعتي، لكن منذ شهرين لم أتمكن من الحصول على العلاج، وحالياً أشعر أن الورم بدأ ينشط من جديد، والطبيب يحذرني من التأخير، لكن ماذا أفعل؟، وتضيف: حتى لو رغبت بشراء الدواء من الخارج، سعره يعادل دخل عائلتي لعدة أشهر”.

هيثم كرباج (55 عاماً)، مريض بسرطان الدم، يروي لنا: “الأطباء يحددون مواعيد الجرعات بدقة، لكننا الآن بتنا نأتي إلى المستشفى فقط لنتأكد إن وصل الدواء أم لا، في المرة الأخيرة أخبرونا أن الدفعة ستصل الأسبوع المقبل، لكنها لم تصل حتى الآن، حيث بات الانتظار يقتلنا ببطء”.

أما الشابة ناريمان عسقول (27 عاماً)، التي ترافق والدها في رحلة العلاج، تتحدث قائلة: “أشعر أن العلاج أصبح مثل اليانصيب، إن كنت محظوظاً ستجد الدواء، وإن لم تكن، فانتظر وربما تتدهور حالتك، أو ربما تدفع ثمن الدواء إن حصلت عليه بطريقة ما من خارج المستشفى بأسعار باهظة”.

هذه الشهادات ليست سوى نماذج من عشرات القصص التي تتكرر يومياً، وتعكس حجم المأساة التي يعيشها المرضى وأسرهم.

أسباب النقص

يقول الدكتور نادر أبو خير، اختصاصي داخلية: رغم اختلاف التفاصيل من بلد لآخر، إلا أن هناك عوامل مشتركة تسهم في تفاقم الأزمة منها: ضعف سلاسل التوريد، عبر الاعتماد على استيراد الأدوية، وهذا يجعلها عرضة للتأثر بأي خلل في النقل أو التصنيع، ومنها الأزمات الاقتصادية، إذ إن تقلب أسعار العملة وصعوبة فتح الاعتمادات البنكية يعرقلان الاستيراد، كذلك البيروقراطية الإدارية، فإن طول إجراءات الشراء والتوزيع يؤخّر وصول الأدوية للمستشفيات، بالإضافة إلى غياب التخطيط المسبق، وعدم وجود مخزون استراتيجي يكفي لفترات الطوارئ، والأهم تهريب الأدوية والسوق السوداء، من خلال استغلال الأزمة لبيع الأدوية بأسعار مضاعفة خارج القنوات الرسمية.

النقص في أدوية السرطان لا يهدد حياة المرضى فحسب، بل ينعكس على المجتمع بأكمله، فارتفاع معدلات الوفيات، وزيادة تكاليف العلاج البديل، وتفاقم المعاناة النفسية والاجتماعية لأسر المرضى، كلها عوامل تزيد من العبء الصحي والاقتصادي، كما أن تراجع الثقة في المنظومة الصحية قد يدفع بعض المرضى إلى البحث عن حلول فردية غير آمنة.

استدراك الأزمة

تأمين أدوية السرطان ليس رفاهية، بل أولوية وطنية، ويتطلب تحركاً سريعاً من الجهات المعنية، ومن بين الخطوات المقترحة- كما يرى الصيدلاني مهند شحود، هو إنشاء مخزون وطني استراتيجي من الأدوية الأساسية، يضمن استمرار العلاج لعدة أشهر حتى في حال انقطاع الإمداد، تسريع إجراءات الاستيراد والتوزيع عبر تقليص البيروقراطية وتوفير تمويل عاجل بالعملات الأجنبية، كذلك تفعيل الشفافية بنشر بيانات دورية حول توفّر الأدوية وتوزيعها، لمنع الاحتكار والتلاعب، مع العمل على تشجيع التصنيع المحلي للأدوية أو التعاقد مع شركات دولية لإنتاجها داخل البلاد، فضلاً عن التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الأدوية في حالات النقص الطارئ، وتشديد الرقابة على السوق السوداء ورفع سقف العقوبات على تهريب الأدوية أو احتكارها.

حياة أو موت

أزمة فقدان أدوية مرضى السرطان ليست مجرد عائق علاجي، بل قضية حياة أو موت، المرضى الذين ينتظرون جرعاتهم لا يملكون رفاهية الانتظار، وكل يوم تأخير قد يعني خسارة معركة مع المرض، فيما الحلول ممكنة، لكنها تحتاج إرادة سياسية، وخطة واضحة، وتعاوناً بين الدولة والمجتمع والمنظمات الإنسانية، فتأمين الدواء ليس إحساناً، بل هو حق أساسي، ومن واجب الجميع أن يعملوا على ضمانه، حتى لا يتحول علاج السرطان من أمل بالشفاء إلى سباق يائس مع الزمن.

آخر الأخبار
غرفة صناعة دمشق وريفها تبحث مشاركة القطاع النسيجي في المعرض السعودي للأزياء والنسيج الشيباني: الحكومة ملتزمة بحماية جميع المكونات في السويداء  تخفيض الرسوم الجمركية وإنشاء مركز  تجاري سوري- تركي في ريف دمشق على الطاولة  لجنة لإعادة الأموال المصادرة وتعويض المتضررين في سوريا المركزي يلغي قيود نقل الأموال بين المحافظات باراك: سوريا ملتزمة بعملية موحدة تحترم وتحمي جميع مكوناتها خلال استقباله الشيباني .. ملك الأردن يجدد دعم بلاده لاستقرار و وحدة وسيادة سوريا من داخل مستشفى الرازي بحلب.. أجهزة جديدة تكتب فصولاً من الشفاء خدمات مجانية للعيادة السكرية المركزية بدرعا محافظ السويداء: سيتم تأمين كل مستلزمات المحافظة بالتنسيق مع الوزارات المعنية بيان سوري أردني أميركي مشترك: دعم إعادة بناء سوريا وتعزيز الاستقرار في السويداء نقل مجاني للأطفال في القنيطرة الحسينية.. معاناة خدمية متردية.. ورئيس البلدية للرد يطلب موافقة المكتب الإعلامي  بحث فرص الاستثمار في محافظة درعا الهيئة الوطنية للمفقودين تعقد لقاءً تشاورياً مع "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" لتعزيز مسار العدالة ا... اجتماع عمان: تشكيل مجموعة عمل مشتركة لدعم جهود الحكومة بإعادة الاستقرار للسويداء تشكيل مجموعة عمل سورية – أردنية – أمريكية لدعم جهود الحكومة في محافظة السويداء  فايننشال تايمز : خطة نتنياهو الكارثية تلحق المزيد من الموت والدمار في غزة موجات حر غير مسبوقة.. الجفاف يضرب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط  الطاقة الشمسية.. حلّ إنقاذي يرافقه تحديات ومخاطر بيئية