الثورة – عبد الحميد غانم:
شهدت أسعار صرف الليرة مقابل الدولار حركة مفاجئة ومتوقعة، فبعد أن حافظت على سعر محدد ما بين 9000 – 10000 ليرة سورية مقابل الدولار، وهذا ما انعكس هبوطاً على قيمة الليرة أمام ارتفاع الدولار، فما هي الأسباب التي تتحكم في هذه الأسعار، وما تأثيراتها على مجمل حركة السوق والاقتصاد المحلي؟.
في حديثه لصحيفة الثورة، حذّر رئيس مجلس النهضة السوري الدكتور عامر ديب من أن معالجة ملف سعر الصرف لا يمكن أن يتم عبر إجراءات تجميلية أو سياسات ارتجالية، بل من خلال خطة نقدية واقتصادية متكاملة تعيد الثقة بين المواطن والمؤسسات النقدية، وتربط بين الاستقرار المالي وتحفيز النشاط الاقتصادي الحقيقي، طالما أن السوق الموازي لن يتراجع ما لم تتوفر قنوات رسمية مرنة وشفافة، قادرة على جذب السيولة وإبقائها ضمن الإطار المؤسسي.
وقال: إنه بعد مرور ستة أشهر على ما سُمّي بـ”تحرير سعر الصرف”، نجد أن النتائج جاءت عكس المعلن عنه، وأن التذبذب مستمر، والسوق الموازي هو المتحكم الفعلي بالتسعير، والمصرف المركزي فقد عملياً موقعه القيادي في إدارة السياسة النقدية، مضيفاً: هذا الواقع ترافق مع فقدان شامل للثقة، ليس فقط على مستوى الأفراد، بل داخل الحياة التجارية والاقتصادية بكاملها.
ولفت ديب إلى أن الدفع الالكتروني الذي كان يفترض أن يكون محوراً لتطوير المنظومة المالية، تراجع دوره ولم يعد أداة أساسية في التعاملات، بسبب غياب التحفيز الفعلي وانعدام الثقة بالبنية التحتية المالية.
وبيّن أن الأسوأ هو فقدان الثقة وقد امتدّ إلى سوق دمشق للأوراق المالية، حيث شهدت تداولات البنوك المدرجة تراجعاً في اهتمام المساهمين، نتيجة لإجراءات غير مسؤولة قيّدت السيولة وأضعفت جاذبية الاستثمار المصرفي.
ورأى ديب أن من بين القرارات التي رآها خارج الأولويات: قرارات “الهدايا الأولى”، وسياسات حبس السيولة، والتقدير غير المبرر للأصول النقدية، وتحويل هذه الأدوات إلى سياسات دائمة بدل أن تكون إجراءات مؤقتة عند الحاجة.
وتمنى أن يوجه الجهد نحو مراقبة عمليات الوساطة غير الرسمية التي يقوم بها أفراد مرتبطون بالبنوك، والذين يطلبون عمولات مقابل تسليم النقد خارج القنوات الرسمية، في حين أن أصحاب الحسابات الجارية أو الحوالات ما زالوا عاجزين عن تحصيل أموالهم من خلال المصارف مباشرة.
وقال ديب: إن قرار إلزام المودعين بإيداع 50 بالمئة من قيمة العقار في المصارف لا يعكس حرصاً على جعل المصرف المركزي هو القناة الرئيسية للسيولة، بل يكرّس الابتعاد عن دوره، ويترك السوق النقدية لسيطرة القنوات غير الرسمية.
وأوضح أن أي نهضة اقتصادية أو استقطاب للاستثمار تتطلب أولاً مصارف قادرة على بناء الثقة، وعلى ضمان حقوق المودعين، وتوفير السيولة بشفافية، بعيداً عن التعقيدات والإجراءات المربكة، مؤكداً ضرورة التحرير المدار لحين استقرار الأسواق وسعر الصرف واستقرار الاقتصاد.
بعقلية مهنية
ومن هنا، يرى ديب أن الحل يكمن في تحرير مدروس للتدفقات المالية نحو القنوات الرسمية وفي تشجيع الاستثمار المباشر للقطاعات الإنتاجية وفتح قنوات رسمية تنافس السوق الموازي بأسعار وخدمات مرنة وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي من خلال شفافية القرارات، وضبط السوق النقدية، ومنع أي وساطات أو عمولات غير قانونية.
معتبراً أن أي سياسة نقدية تغفل هذه الأسس ستبقى عاجزة عن تحقيق الاستقرار، وسيظل المواطن، والتاجر، والمستثمر، في مواجهة يومية مع تداعيات فقدان الثقة بالمؤسسة النقدية.
وأكد أن قرار مصرف سوريا المركزي بخصوص حصر التحويلات المالية عبر شركات الصرافة المرخصة ترخيصاً كاملاً أو مبدئياً، هو سعي المركزي لتعزيز حضوره، ولكن هل يستطيع منافسة السوق الموازي من دون إجراءات الثقة.
وقال: لاحظنا قرارات سابقة للمركزي لشركات الصرافة المرخصة من أجل الالتزام بالنشرة، ولكن لم تلتزم الشركات بالنشرة، وهذا مؤشر على فقدان المركزي لدوره، مؤكداً تأييده لتعزيز سلطة المركزي، ولكن بعقلية مهنية (ابن السوق) وليس بإستراتيجية بيروقراطية جامدة.