الثورة- عبد الحليم سعود:
تواصل سوريا الجديدة إرسال الرسائل التطمينية للداخل والخارج، بخصوص مواقفها من مجمل تعقيدات المنطقة وقضاياها، راسمة شكل التعاطي المستقبلي مع مختلف الملفات السياسية والأمنية والتطورات الإقليمية، على أرضية وحدة سوريا وسيادتها وانفتاحها على مرحلة جديدة من الاستقرار والتعاون والمصالح المتبادلة مع كل الدول.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه دمشق القطيعة الكاملة مع الآثار والمفاعيل السلبية لحقبة النظام البائد، حيث من المتوقع أن يعيد السيد الرئيس أحمد الشرع التأكيد على هذه الثوابت في خطابه المنتظر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، يواصل الاحتلال الإسرائيلي تصعيد اعتداءاته في المنطقة ولاسيما تجاه سوريا، عبر توغلات قواته داخل الأراضي السورية، واعتدائها المباشر على المدنيين، وآخر هذه السلوكيات العدوانية هو الاعتداءات الأخيرة على الأراضي السورية، والتي أسفرت عن استشهاد الشاب رامي أحمد غانم جراء قصف منزله في قرية طرنجة بريف القنيطرة الشمالي، وإصابة آخر بجروح متفاوتة، وسبقها التوغل العسكري الذي نفذته قوات الاحتلال بالأمس في منطقة بيت جن بريف دمشق، الأمر الذي استلزم إدانة الحكومة السورية لهذا السلوك العدواني باعتباره تصعيداً خطيراً يهدد بشكل مباشر السلم والأمن الإقليميين.
في القراءة الأولية لهذا التصعيد الإسرائيلي، والذي يأتي بالرغم من وجود مفاوضات بين الجانبين السوري والإسرائيلي بشأن اتفاق أمني يقوم على خط الهدنة لعام 1974، الذي اعتبره الرئيس الشرع بمثابة “خط أحمر” في أي ترتيبات أمنية قادمة أو أي اتفاق جديد، نجد أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول فرض ضغوط على الجانب السوري مستفيداً من أحداث السويداء، ورغبة ميليشيا الهجري بالانفصال عن الدولة السورية، لتحقيق مكاسب جديدة تتجاوز خط الهدنة باتجاه فرض أمر واقع يخدم مصالحه التوسعية في المنطقة، ووضع نفسه في موقع الوصاية على مكون سوري كامل عبر التنسيق مع جزء من هذا المكون، وهو أمر يرفضه السوريون جملة وتفصيلاً.
فالاحتلال الإسرائيلي لا يقيم وزنا للمعاهدات والمواثيق الدولية يوماً من الأيام، ولا يعير اهتماماً للتحذيرات والمناشدات الأممية التي تطالبه بوقف التصعيد واحترام سيادة الدول والشعوب، وفي هذا المجال المطلوب من الولايات المتحدة الأميركية الحليف الاستراتيجي لإسرائيل والداعم الرئيسي لها سياسيا وماليا وعسكريا واستراتيجيا، إلزام سلطات الاحتلال بتنفيذ اتفاقية فض الاشتباك عام 1974، للحيلولة دون دفع الأمور نحو اتجاه آخر لا يخدم السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
فالقيادة السورية تريد لأي اتفاق أمني مع إسرائيل أن يحقق الاستقرار في البلاد والمنطقة، ويفتح الباب أمام إعادة الإعمار والانفتاح الاقتصادي والتفرغ لحل المشكلات الداخلية التي خلفتها حقبة الحرب المريرة، لا أن تتحول الجبهة مع الاحتلال إلى مصدر قلق يعمّق الانقسامات الداخلية ويفرز مشكلات جديدة تؤخر نهوض وتعافي البلاد، ولذلك لا يمكن قراءة التدخلات الإسرائيلية المتكررة في الشأن السوري سوى محاولة للاستثمار الرخيص في الأزمة التي خلفتها أحداث السويداء، والتي شجعتها سلوكيات شاذة لبعض المرتهنين لأجندات خارجية.
وعليه فإن الولايات المتحدة الأميركية التي تقود الدعم الدولي لسوريا، مدعوة بقوة للضغط على الجانب الإسرائيلي لوقف توغلاته المتكررة وتعدياته على السيادة السورية، والتأكيد على الدور الذي تلعبه قوات الأندوف حالياً في منطقة فصل القوات أو خط الهدنة، لاسيما وأن المجتمع الدولي جدّد مؤخرًا ولاية هذه القوات، وهو ما يعكس وجود توافقات دولية للحفاظ على الوضع القائم، وبالتالي فإن السلوك الإسرائيلي العدواني ليس موجهاً لسوريا فحسب، بل موجهاً ضد إرادة المجتمع الدولي ككل، وهو ما يضع مصداقية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على المحك إذا استمر التصعيد الإسرائيلي على هذا النحو في سوريا.
