الحكاية أكبر من صف.. “شعبة الأصدقاء”.. بين بكاء التلاميذ وإصرار المدارس

الثورة – علا محمد:

عام دراسي جديد يحمل معه جدلاً غير متوقع، أشعل النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، ليست قصة كتب ناقصة ولا مقاعد مزدحمة، بل ما هو أبسط وأعمق في آن واحد، قرار المدارس بعدم السماح بنقل الأطفال من شعبة إلى أخرى وفق طلب الأهالي.الأمهات وجدن في ذلك قسوة على صغارهن الذين يبكون لفقدان أصدقائهم أو معلمتهم المفضلة، فيما المعلمات والإدارات يرون أن التشديد هو الخطوة الصحيحة لكسر دائرة “المحسوبيات” وخلق بيئة أكثر عدلاً.

صحيفة الثورة، دخلت هذا الجدل، ونقلت آراء متباينة، قبل أن تستمع لرأي الاختصاصية التربوية.

دموع في عيون الصغار

“ابني لم يعد يبتسم منذ عرف أنه لن يجلس مع صديقه”، هكذا تروي ناديا الحمصي، أم لطفل في الصف الثاني الابتدائي، معتبرة أن المدرسة تتجاهل الجانب النفسي في هذه المرحلة الحساسة، حديثها يلتقي مع رواية هناء العلي، التي تؤكد أن ابنتها دخلت في حالة من الرفض الصامت: “كل صباح تذهب بدموع غزيرة لأنها لا ترى معلمتها التي اعتادت عليها”. فيما سمر داوود، فتحكي ضاحكة بأسى أن طفلها عاد إلى البيت ليقول: “المدرسة سرقت أصدقائي”، لتعلق بجدية أكبر: “الأمر ليس مزحة، الأطفال مكتئبون حقاً”.تلك الأصوات لا تعكس فقط مشاعر شخصية، بل تمثل، كما يصف بعض المتابعين، صرخة أمهات يطالبن بمرونة أكبر في التعامل مع رغبات أبنائهن.

وجهة نظر أخرى

في المقابل، وجدت “الثورة” بين المعلمات من ترى أن الخطوة كانت ضرورية، رشا محمود، معلمة صف ثاني، تؤكد أن “النقل بين الشعب كان باباً واسعاً للمجاملات”، وتضيف: إن الطفل الذي يتعلم التأقلم مع معلمة جديدة يكتسب قوة عاطفية يحتاجها في حياته اللاحقة.

رؤى حيدر، وهي معلمة صف رابع، توافق الرأي وتقول: “التغيير ضروري، حتى لا يصبح الطفل أسير دائرة ضيقة من الأصدقاء”.

ومن اللاذقية، تشير المعلمة لينا شحادة إلى أن الإدارات شددت هذا العام بشكل غير مسبوق على منع النقل: “الأهالي استغربوا، لكننا في الميدان نرى أنه الإجراء العادل والأنسب”.

وبين بكاء الصغار وصرامة الإدارات، يبقى السؤال الأهم: هل هذه الإجراءات تضرب نفسية الطفل أم تبنيها؟ هنا انتقلنا إلى الاختصاصية التربوية لتضع النقاط على الحروف.

مشاعر طبيعية لا صدمة

توضح الاستشارية التربوية والاختصاصية بطرائق تدريس المواد رولا بريمو في حديثها أن تغيير الشعبة في عمر الروضة لا يسبب صدمة نفسية للطفل، بل يولّد مشاعر من الحزن الطبيعي تماماً مثل الفرح أو الغيرة أو الغضب، وتشير إلى أن الطفل ذا البنية النفسية المتينة قد يحزن ليومين أو أكثر قليلاً، بحسب لطف وحنان المعلمة الجديدة وقدرتها على ملء الفراغ، ومع مرور الوقت تتحول هذه المشاعر إلى ذكرى جميلة للمعلمة السابقة، ويخرج الطفل من التجربة أكثر قوة عاطفياً، وتؤكد أن دور الأهل جوهري هنا، إذ لا ينبغي عليهم التحدث بالسوء عن المدرسة أو وصف الحدث بالظلم، بل على العكس، يتعين عليهم تشجيع الطفل على تكوين صداقات جديدة ورسم صورة إيجابية للمعلمة الجديدة.

بيئة تصنع الشخصية

وتشير إلى أن 90 بالمئة من شخصية الطفل تتكون في السنوات الخمس الأولى، ما يجعل البيئة الصافية وحسن اختيار الروضة والمعلمات أولوية أساسية، وتوضح أن الصف يمثل رديفاً عاطفياً وتربوياً طبيعياً للطفل، والمعلمة تكون محور اهتمامه، إذ تبقى عيناه شاخصتين إليها في كل تصرف تقوم به.

وهنا تؤكد أن على المعلمة أن تكون أفعالها محسوبة، صوتها مضبوطاً، وكلماتها منتقاة بدقة، لأنها بمثابة “الأم الثانية” للطفل، كما تضيف أن دورها لا يقتصر على التعليم، بل يمتد لخلق علاقة صحية بين الأطفال عبر أنشطة جماعية مثل شد الحبل أو لعبة الكراسي بالطرق التربوية الحديثة، والتي تعزز شعور الانتماء والتآخي.

وتلفت إلى أهمية تذكير الطفل أن رفيقه هو “صديقه” لا “أخوه”، فالأخ يعيش معه في البيت، فيما الصديق يختاره ليبقى معه سنوات طويلة، ومع التكرار يترسخ هذا الوعي تدريجياً.

التغيير خبرة ضرورية

أما فيما يتعلق بالسؤال حول بقاء الطفل مع نفس المجموعة، فتؤكد الاختصاصية بريمو أن ذلك ليس صحياً على الإطلاق، وتوضح أنها حين كانت تدرّس في المرحلة الثانوية لاحظت أن مرور الطلاب على أكثر من معلم كان ناجحاً ومفيداً، ولهذا ترى أن التجديد، خاصة على مستوى المعلمات، يفتح للطفل أبواباً لاختبار مشاعر جديدة، وتضيف: إن الطفل السوي ذي الأرضية النفسية القوية يخرج من كل تجربة أقوى، لتتحول الصعوبات إلى خبرات تضاف إلى رصيده النفسي، ومع ذلك، ترى أنه يمكن الحفاظ على بعض الصداقات الإيجابية إذا أثبتت فائدتها.

وتوضح، أن التعلق الشديد بالمعلمة قد يكون تعويضاً عن نقص عاطفي في البيت، فقد يتعلق الطفل بمعلمة قوية وجافة لتعويض صورة الأم المتساهلة أو الضعيفة، مؤكدة أن الطفل ذكي يقرأ الشخصيات ويميز بين الأم الحازمة والأم المتساهلة تحت شعار التربية الحديثة، لكنها تشدد على أن هذا النوع من التعلق غير صحي إذا تحوّل إلى بديل عن الأم، مشيرة إلى أن العلاقة مع المعلمة يجب أن تبقى ضمن حدود الدور التربوي والتعليمي.

قرار صحي

وبحسب رأي الاختصاصية بريمو، فإن عدم نقل الأطفال بين الصفوف إجراء صحي تماماً، لأن المحسوبيات والضغط على الإدارة أضعفا المنظومة التعليمية في السابق، وتضيف: إن منع النقل خطوة تُحسب لوزارة التربية، لكن النقل لا يجوز إلا في حالة قاهرة وبعد دراسة متأنية مع الاختصاصية التربوية في المدرسة، مشددة أن اعتبار النقل حلاً للهروب من مشكلة هو خطأ كبير، إذ قد تكون نتائجه سلبية على الطفل.

استعادة الثقة

وتشير الاختصاصية بريمو إلى أن العدالة في النقل بين الصفوف تقتضي دراسة دقيقة للحالة النفسية والمعلوماتية للطفل، وبمشاركة الأهل، فمثلاً إذا كان الطفل في صف مع ابن عمه وتؤثر الخلافات العائلية عليه، قد يكون نقله ضرورياً، لكن بعد دراسة وافية، لافتةً إلى أن الحل الحقيقي يكمن في استعادة ثقة الأهل بالوزارة والمدارس، على سبيل المثال، هناك مدرسة خاصة لا تسمح للأهالي بالتدخل في النقل أو بأي قراره تتخذه داخل المدرسة، ومع ذلك يحترم الأهالي القرارات لثقتهم بالمنهج التربوي، وتضيف: على الوزارة أن تفرض قراراتها بصرامة في البداية حتى لو واجهت اعتراضاً، لأن النتائج الإيجابية لاحقاً ستكسبها ثقة الأهل تدريجياً.

القانون وهامش الرحمة

وتختم الاختصاصية بريمو: بالتأكيد أن القانون واحد للجميع ولا خيار وسط فيه، غير أن تطبيقه لا يعني انعدام الرحمة، فهناك، كما تقول، “هامش رحمة”، لا يقوم على المحاباة، بل على أسس علمية، ويُناقش في اجتماع يضم المدير والاختصاصية والمعلمة والأم، مشيرة إلى أن الرأي الأكبر يعود للاختصاصية، فيما القرار النهائي يبقى للإدارة، بما يضمن العدالة والموضوعية.

بين اعتراض الأمهات وحزم الإدارات، يبدو أن الخلاف سيبقى مفتوحاً، فلكل طرف منطقه وأدلته، فيما يظل الطفل الحلقة الأضعف والأكثر تأثراً، يبدو أن النقاش سيستمر.. والأطفال سيواصلون البكاء والحب معاً، فيما المدارس تُصر على أن التجربة تصنع منهم جيلاً أقوى، وليس أطفالاً أكثر حزناً، هذا ما ستكشفه الأيام.

آخر الأخبار
"النشرة الضوئية"..  فجوة تضع المواطنين بمواجهة منتحلي الصفة الأمنية موقع فرنسي: إسرائيل تفتعل الفوضى الأمنية في سوريا تكريم المؤسسات الفاعلة في ختام مشروع بنيان 3 الشيخ مضر الأسعد: كلمة الشرع إعلان انتصار حقيقي للشعب السوري تثبيت سعر المازوت والبنزين بالليرة السورية.. إنقاذ اقتصادي واجتماعي بيان خليجي - بريطاني: دعم سوريا ورفض الاعتداءات الإسرائيلية عليها مفوضية اللاجئين تدعو لرفع مستوى الدعم للمهجرين السوريين عجز وتحدّيات كبيرة.. غياب النظافة يشوّه وجه حلب الحضاري مكافحة 160 هكتاراً من الباذنجان البري في السفيرة متابعة الخدمات في "الشيخ نجار".. لجان قطّاعية لـ"صناعة حلب" اتفاق دعم رواتب الموظفين.. خطوة للنهوض والإعمار شراكات جديدة في قطاع الثروة المعدنية قصة إرادة لا تُكسر.. آصف داود.. من صعوبات الطفولة إلى نيران الجبال  "الغذاء في الوقاية والعلاج" طريقك إلى الرشاقة يبدأ مجاناً جهود إغاثية ورسائل مجتمعية لدائرة العلاقات المسكونية في درعا رحلة نحو أعماقنا.. كيف نكتشف ذاتنا ونحقق أهدافنا؟ حملة "ريفنا بيستاهل" تواصل تنفيذ المشاريع التنموية والخدمية المرأة في الاقتصاد السوري.. مشاركة فاعلة تحتاج إلى الاستثمار "المراكز الصحية" في حلب بين ضغط المرضى وضعف الموارد زيلينسكي يُعلن من نيويورك استئناف العلاقات الدبلوماسية بين أوكرانيا وسوريا