اللاذقية تكتب فصلها الجديد بالأمن والعدالة

الثورة – إيمان زرزور:

يشكّل إعلان قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية عن تفكيك عدد من الخلايا المرتبطة بفلول النظام البائد، منعطفاً أمنياً وسياسياً مهماً في مسار ترسيخ الاستقرار في الساحل السوري، الذي ظل لعقود مركزاً حيوياً لشبكات النفوذ القديمة التي أسسها المخلوع بشار الأسد.

فالبيان الذي صدرعن قائد الأمن الداخلي، العميد عبد العزيز الأحمد، جاء كرسالة استراتيجية مركبة حملت مضامين تتجاوز الحدث الأمني إلى عمق التحولات الجارية في بنية الدولة السورية الجديدة، وسعيها لتفكيك آخر أوكار الفساد والعصابات التي كانت تعمل تحت مظلة السلطة السابقة.
وبحسب تصريحات الأحمد، نفذت وحدات الأمن الداخلي سلسلة من العمليات المحكمة خلال الأسابيع الأخيرة، أسفرت عن تفكيك شبكات منظمة تعمل بتنسيق خارجي، وتورطت في جرائم خطف وقتل وترويع، إضافة إلى محاولات استهداف منشآت حكومية وحيوية في المحافظة.

وأكدت التحقيقات تورط عناصر وشخصيات بارزة من بقايا النظام السابق، بينهم نمير بديع الأسد، ورامي مخلوف، ومحمد جابر، الذين وصفهم البيان بأنهم “يمارسون نشاطاً إجرامياً منظماً يهدف إلى تقويض السلم الأهلي والنيل من تماسك الدولة والمجتمع”.

ويرى مراقبون أن إعلان الأسماء بهذه الصراحة غير المسبوقة يعكس توجهاً واضحاً من القيادة الجديدة لاقتلاع جذور الفساد السلطوي القديم، وتأكيد أن عهد الحصانة والمحسوبيات قد انتهى فعلياً.

في جوهره، يعكس خطاب الأحمد تحولاً نوعياً في فلسفة العمل الأمني في سوريا ما بعد الأسد، إذ لم يكتفِ بالإشارة إلى العمليات الأمنية، بل دعا علناً أبناء اللاذقية إلى “التحلي بالوعي واليقظة والتكاتف في مواجهة محاولات التخريب”.

هذه الدعوة تمثل نقلة فكرية في مفهوم الأمن، إذ لم تعد الدولة تحتكر حراسة الاستقرار، بل تشرك المجتمع في مهمة الدفاع عنه، وهو ما ينسجم مع رؤية الرئيس السوري أحمد الشرع، التي تؤكد أن الأمن “قيمة وطنية جماعية، وليست أداة للسيطرة السياسية كما كان يفعل النظام البائد”.

ويعني ذلك عملياً أن السلطة الجديدة تسعى لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، عبر بناء ثقة متبادلة تستند إلى الشفافية والمشاركة، لا إلى الخوف والإذعان.

ولا يخفى أن اللاذقية – التي كانت المعقل الأبرز لعائلة الأسد – تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة الجديدة في تفكيك البنية الاقتصادية والأمنية التي تركها النظام المخلوع، فشبكات المال والسلاح التي كانت تديرها عائلات نافذة، مثل الأسد ومخلوف، تحولت بعد سقوط النظام إلى خلايا عنيفة تمارس أنشطة غير شرعية: تهريب، وتجارة سلاح، وخطف، وتبييض أموال.

ويشير تفكيك تلك الخلايا إلى أن الدولة الجديدة لم تعد تكتفي باستعادة السيطرة الشكلية، بل تتجه إلى اقتلاع الجذور التي تغذت منها الفوضى لعقود، وتمثل “معركة مع الإرث لا مع الأفراد”.

وتكشف إشارة الأحمد إلى أن هذه الخلايا “مرتبطة بتنسيق خارجي” عن تحذير واضح من محاولات إقليمية لإعادة استثمار الفوضى في الساحل السوري، خصوصاً بعد انحسار نفوذ القوى التقليدية التي كانت ترى في المنطقة ورقة ضغط استراتيجية.

ويمكن فهم هذه الإشارة كرسالة مزدوجة: للخارج بأن سوريا الجديدة تمتلك جهازاً أمنياً مهنياً قادراً على ضبط أمنها الداخلي دون وصاية أو تدخل، وللداخل بأن أي مشروع يستهدف وحدة البلاد أو يحاول إعادة إنتاج الفوضى القديمة سيُواجه بالقانون وبالردع.

اللافت في بيان الأحمد، أنه اختتم رسالته بالتأكيد أن “الأمن مسؤولية جماعية، ومتى توحدت الصفوف فلن تنال منا يد الغدر والإرهاب”، وهي عبارة ذات بعد رمزي عميق، تعبّر عن تحول الأمن من سلطة إلى عقد اجتماعي جديد بين المواطن والدولة.

هذا الخطاب يتقاطع مع توجهات الحكومة الجديدة التي تسعى إلى بناء نموذج وطني للمؤسسات الأمنية، يقوم على الكفاءة والمساءلة والشفافية، بعيداً عن الولاءات السياسية أو الطائفية التي طبعت العقود السابقة.

يأتي هذا الإعلان في توقيت بالغ الحساسية، إذ تتسارع فيه خطوات إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والإدارية في البلاد، بالتوازي مع مسار العدالة الانتقالية الذي أطلقته وزارة العدل مؤخراً.

 

آخر الأخبار
درع وزارة الرياضة والشباب.. بطولة جديدة تكشف واقع السلة السورية كأس الدرع السلوية.. الأهلي يُلحق الخسارة الأولى بالنواعير جامعة الفرات تناقش مشروع قانون الخدمة المدنية  بعد سنوات من الغصب والتزوير.. معالجة ملف الاستيلاء على العقارات المنهوبة حزمة مشاريع استراتيجية في "مبادرة مستقبل الاستثمار" بالرياض  رامي مخلوف.. من المال والاقتصاد إلى القتل والإجرام   بعد تضاعف صادراتنا.. مطالبات بتحديث أجهزة الفحص وتوحيد الرسوم توقيع اتفاق سلام كمبودي - تايلاندي لإنهاء نزاع حدودي التأمينات الاجتماعية تسعى لرفع الوعي التأميني لتحقيق أفضل الخدمات جدل حاد في "إسرائيل" حول مشروع قانون لإنقاذ نتنياهو دمشق ترسم معالم حضورها الدولي بثقة وثبات المشاركة السورية بـ"مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض".. خطوة محورية بمعركة الدبلوماسية والاقتصاد زيارة الشرع إلى الرياض.. ترسيخ سوريا الجديدة واستعادة دورها إقليمياً سوريا تطلق عودتها الاقتصادية والسياسية من بوابة مؤتمر"FII 9" بلدية الرفيد تتوعد مخالفي البناء بالإزالة مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار.. فرصة ذهبية سوريا تحتضن عقولها الهندسية في قطر ترميم مبنى بريد منبج لتأمين خدمات متكاملة للأهالي التحول الرقمي محرك الاستثمار للمرحلة القادمة العقارات المسلوبة بين يد القضاء.. ووعود بإنصاف المتضررين