ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يضفْ رئيس النظام التركي شيئاً حين أقرّ بأنه يشعر بالخيبة، وإن حاول حصرها في الموقف الأميركي، وهي خيبة يشاطره فيها شركاؤه في دعم الإرهاب، وما انتهى إليه أردوغان كانت قد سبقت إليه المؤشرات والمعطيات السياسية والميدانية، كما دلت عليه عشرات الشواهد والقرائن،
في ظل إدراك متزايد بأن الآتي لن يقتصر على الخيبة، بل سيمتد ليأخذ طريقه إلى تفاصيل أخرى، خارج سياق ما هو متداول حتى اللحظة، بما فيها تلك الخيارات الأكثر وضوحاً في كارثيتها على الوضع التركي.
الاعتراف بالخيبة ليس أكثر من تمهيد بسيط لسلسلة من الاعترافات القادمة التي يحتاج النظام التركي للإقدام عليها مرغماً ولا خيار له فيها، سواء تلك التي تعلقت بأخطائه ومغالطاته أم ما يرتبط منها بفشل يلاحقه ويكاد يرتسم في جميع الخيارات التي أقدم عليها، بما فيها تلك التي حاول المداورة عليها مسبقاً لتفادي الاصطدام بحائطها المسدود منذ البداية، وإن كانت جميع التقديرات والمعطيات تشير بوضوح إلى أنه لا جدوى منها ولا فائدة يمكن أن تبنى عليها.
فالمسألة هنا ليست في الاعتراف من عدمه، ولا حتى في مضمونه، أو الجهة التي يطالها، بقدر ما هي في البدائل والمقاربات الصعبة، في وقت باتت فيه عبثية المحاولة شبه محسومة، فقد سبق السيف العذل، لأن ما تواجهه تركيا لم يعد خيبة متواضعة من موقف هنا أو سياسة هناك، بل سياق سياسي أنتج كل هذه الأخطاء ومارس أقصى درجات التهور والفجور السياسي والتطاول والعدوان والاعتداء، حيث ربطت حكومة العدالة والتنمية وجودها بالإرهاب إنتاجاً واحتضاناً وتدريباً وتمويلاً، وكانت «الأكثر مقدرة» على خلق عداوات مع جميع دول الجوار ومن دون استثناء.
اللوم التركي لأميركا لا يخلو من فكاهة سياسية عصية على التفسير إن لم يتم ربطها بما أنتجته وما ترسمه من خيارات سوداوية في الأفق التركي القاتم، في ظل هوس أردوغان بالبحث عن مشاجب إضافية لتبرير أخطائه وخياراته، وما يجري ليس سوى انعكاس لسياسة رعناء بالغت في تدويل مفاهيمها ولغتها، وحاولت أن تبرز سطوتها عبر التعويل على التنظيمات الإرهابية، وأن تكون ربيبة عملية لقياسات مختلفة وموازين متباينة في سياق البيدق الأميركي الحامل الفعلي للإرهاب ومنتجاته ومكوناته، وما أحدثته من مقاربات في المبازرة على استقرار المنطقة ووجودها، بل والعبث بمكوناتها وإحداثياتها وتركيبتها السياسية والجغرافية.
لا أحد يخفى عليه حجم الهواجس التركية من الفشل المتكرر، ولا من السيناريوهات الأكثر رجحاناً لما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة وخارجها والتي تفاقمت بفصولها الأكثر رعباً بعد وصول ترامب، وفي الوقت ذاته ليس هناك من داع لتجاهل مخاوف تركيا، وتحديداً حزبها الحاكم ورئيسها، وهي التي كانت تعوّل وتراهن أن تكون دائماً أداة وظيفية لأميركا وإن ارتدت لبوس الناتو، فكيف الأمر وهي ترى أن دوام الحال يبدو من المحال؟! وأن كل ما راكمته في سنواتها الماضية تذروه رياح التغيير والتعديل، وما يبقى منه يتكفل إعصار الحماقة والغطرسة والأحلام المريضة ببعثرته.
خيبة أردوغان ترسم إلى حدّ بعيد ما هو أبعد من الحالة التركية، وتكاد «تلمّ شمل» جميع المتورطين في دعم الإرهاب ورعاته ومموليه، وإذا كانت المرحلة تقتضي في حدها الأدنى المسارعة إلى التعبير عن الخيبة، فإن قادم الأيام متخم بما هو أكثر من ذلك بكثير، وقد يصل إلى أبعد من الاتهام لأميركا بعدم جديتها، خصوصاً أنَّ لائحة الاتهامات المعدة مسبقاً بدأ تداولها في نطاق العلاقة المحتملة، ولن تكون مرتسمات تلك الخيبة وتداعياتها خارجها، وإن كانت الأنظار تتجه نحو ما بعدها.
a.ka667@yahoo.com