ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علـي قــاسـم:
يلتحف دي ميستورا عباءة المُنظِر الطائفي، ويستل خطاب «القاعدة»، ويستلهم مفردات «النصرة» وهو الذي طالما دافع عنها واستمات من أجل إنقاذ إرهابييها غير مرة، ويجاهر بما سبق له أن ماطل به، ويعلن ما يتفوق به على الوهابية وكثير من الإرهابيين،
ويقدم مشهداً يصلح ليكون قصفاً تمهيدياً لخاتمة اقتربت، أو تكاد، كما يصح أن يكون خطاباً يودع أمانته المستأجرة غربياً والمؤجرة أممياً.
المبعوث الأممي ينطق بعد طول انتظار بما كتمه على مدى أشهر مهمته المنصرمة، وهو الذي ماطل طويلاً وسوّف أكثر، فوقع كغيره في شرك ما نصبه، وفخ ما أحضره، وهو الذي حاول تجنبه والمداورة عليه مسترشداً بوصاياه القادمة من جذر «القاعدة» ومشتقاتها والفهم الغربي للوصفات السحرية التي تناوب على طرحها ساسة ومسؤولون ومبعوثون أو شبه مبعوثين، حين يفشل الغرب في تحقيق أجنداته، أو عندما يصل مشروعه إلى الحائط المسدود، او كخاتمة لمهمة بدت منذ البداية متخمة بالنيات المبطنة والخفايا المشبوهة، حتى لو كابر الغرب فيها أو اعتمدها في سياق مقاربته الكاذبة لمحاكاة لم يعد متاحاً ولا ممكناً كتمانها.
يرمي ما في جعبته ومن قاعه الآسن ويتحضر للرحيل، حاله في ذلك حال كل من شابهه أو تقمّص دوره وشخصيته في الخطاب الغربي، وما عجز عنه يسدل الستار فيه على ما تبقى من فرص ليفسح في المجال أمام التكهنات والاستنتاجات والتحليلات.. تاركاً الحبل على الجرار للتكذيب والتصديق حسب المناخ أو وفق معطيات الظرف السائد، مراعياً تقلبات المزاج العالمي وتبدلاته الصاخبة.. بدءاً من وصول ترامب وليس انتهاء بما هو قادم في مجمل محتويات المنظومة الغربية.
لا أحد لديه أوهام حول حقائق تلك الوصايا بأبعادها الطائفية البغيضة ولا بمراميها الإثنية الكريهة، ولا أحد كان يعوّل على مبعوث راوغ حتى اللحظة الأخيرة، وسوّف وتوارى خلف إصبعه مراراً وتكراراً، وقدّم ما استطاع إلى ذلك سبيلا من أجل حماية الإرهابيين والمرتزقة، واتخذ دور الحليف والصديق والناصح والمنقذ لهم، ولم يشعر بالحرج يوماً من الانحياز الفاضح إلى أن وصل الأمر فيه أن يكون رفيقاً للنصرة ودريئة -إن اقتضى الأمر- في مواجهة من يستهدفها.
لكن يبدو مستهجناً بل ومرفوضاً جملة وتفصيلاً أن يكون عراباً للتقسيم ومسوقاً أو ممراً للطائفية مهما يكن العنوان أو الشعار، أو أن يتخذ من مهمته منصة لاستهداف التركيبة الاجتماعية في المنطقة، مهما تكن مقتضيات ومبررات وذرائع ما يسوّقه أو ما يتفوه به، وما ذهب إليه ليس نتاج ما راكمته التجربة بقدر ما هو ترجمة لبنود ما هو متفق عليه غربياً وما هو معمول به على مدى عقود خلت كي يصل إلى ما وصل إليه.
قد يكون الوقت متأخراً لفتح صفحات طالما شكلت موضعاً للشك، وكانت قرينة ودليلاً على دور مشبوه يؤديه باتقان، وموقف أكثر مغالاة في كل ما طرحه، وموضع تشهير لا يخلو من حكايات قاسية ومؤلمة ومواقف صعبة ومشاهد أكثر صعوبة من سواها ومن دورها ومن موقعها، لكنه لم يفت بعد، ولم ينتهِ الوقت المتاح لتصل الرسائل إليه كي يشعر بالكارثة التي تحدّث عنها بهزيمة الإرهابيين، وينتظر أن تستكمل فصولها التالية بعد أن وصلت تفاصيلها بوضوح، بعد الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري وهو يدحر أصدقاء دي ميستورا ومن ينفطر قلبه عليهم ألماً ووجعاً.
اللائحة تطول.. والحديث يكبر ويزيد عن الحاجة .. ويفيض عن الضرورة في سياق البحث أو الغوص في تفاصيل الدور الذي يتلبسه مبعوث أممي يبرر للإرهاب أن يحضر ويشرعن للقتلة أن تكون جزءاً من الحلول السياسية، حاله في ذلك حال الفرنسي والأميركي، ويتقدم في بعضها على القطري والتركي وحتى السعودي في مساعيه وفي جهوده ودوره وموقعه.
وصايا دي ميستورا القاعدية لمّا تنتهِ فصولها، ولمّا تتوقف مشاهدها، وليست كل ما في حقيبة مهمته، ولا كل ما يتطلبه صك الختام المنتظر منه، بل ثمة ما هو أبعد من حدود الحاضر بين طياته والقادم بين معطيات وجوده، سبقه إلى ذلك كثيرون، لكنه كان الأكثر امتثالاً لخطاب النصرة، فمن عاشرهم وبنى صداقاته وتبرع بمرافقتهم في دروب العودة ربما يشعره بأحقية النطق باسم النصرة والقاعدة، وبما لا يحق لغيره..!!
ما فات دي ميستورا كسواه أنه لم يكن الأول ولن يكون الأخير كصاحب دور ممهور بتلك الوصايا القادمة من كهوف الهيمنة الغربية، ومحاولة الاستلاب للمنطقة وشعوبها ودولها تحت تلك الشعارات، وما فاته أيضاً أنه كغيره فاشل ومنذ البداية، وما عجز عنه في مهمته المعلنة لن يحققه في المضمر منها، وما أخفق به في السياسة لن يناله بالحديث البغيض عن الطائفية التي تفنن في اجتهاداته ومن خارج نص مهمته في إسدال للستار الذي يصلح للمقارنة مع من سبقوه وكثيرين قد يلحقون به في دروب التعويل على الإرهاب.
a.ka667@yahoo.com