ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم تضف أميركا الكثير، بقرارها رفع الحظر عن توريد أسلحة للإرهابيين، وإن كان في ذلك قرينة دامغة ونوعية بأنها لا تكتفي باستخدام آخر أوراق الإدارة الحالية، بما فيها التي تعيد تدويرها،
بل أيضاً تَحرقُ ما يتيسر لها من أوراق الإدارة القادمة، في خطوة لا تحمل مفاجآت بالمعنى الحرفي بحكم أن هذه الإدارة لم تتأخر في توريد ما رفعت الحظر عنه وإن كان بالوكالة، ولا هي خارج المتوقع منها وهي التي راهنت على إشغال الوقت طوال سنوات وجودها.
الخطورة في قرار رفع الحظر عن توريد الأسلحة لـ»شركاء» واشنطن من الإرهابيين ليست في المضمون فقط، وإن كان محاولة لشرعنة ما تعمل عليه في الخفاء، وإنما في التوقيت أيضا،ً سواء ما تعلق بالتفاهمات التي تسعى إليها من جديد مع روسيا، أم في سياق تداعياتها المستقبلية على خيارات القادم إلى البيت الأبيض، بحيث تضمن مسبقاً مساراً قسرياً في السياسية الأميركية، وإن كانت الكثير من القراءات تجزم بأنه تحصيل حاصل، حيث لا قيود على تسليح الإرهابيين، والصفقات المشمولة بالرعاية الأميركية لم تتوقف، وإن كان تطوراً نوعياً لا يخفي رغبته في المشاغبة المزدوجة على ترامب وعلى موسكو في الآن ذاته.
فالقلق واضح من الغزل السياسي إذا صحت التسمية بين موسكو وإدارة ترامب والتي لا تتوقف عند حدود التصريحات، بل تتعداها إلى خطوات عملية لا تخرج زيارة مستشار ترامب إلى موسكو -ولو كانت بشكل غير رسمي- عن ذلك السياق، فيما تتوالى جملة المؤشرات على الدخول في اختبارات عملية من الطرفين يمكن البناء عليها لاحقاً في سياق العلاقة المنتظرة، وهو ما وجدت فيه مراكز النفوذ والضغط واللوبيات والقوى المتحكمة في القرار الأميركي مصدر خوف أثار هواجسها، التي اقتضت حركة استباقية لن يكون قرار رفع الحظر عن توريد الأسلحة الأميركية وحيداً أو منفرداً، بقدر ما يأتي في سياق منظومة متكاملة من الإجراءات التي تعيق على الأقل أي اندفاعة ممكنة في العلاقات الروسية الأميركية، وتؤخر أي إقرار بسقوط مشروع التعويل على الإرهاب ومشغيله!!.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال خروجاً أميركياً على المألوف في السياسات والحسابات، وفي الوقت ذاته لا ينحصر في إطار المناكفة المسبقة وخلق العراقيل والعقبات، بقدر ما يشكل سياقاً متكاملاً تعمل عليه المؤسسة الأميركية الحاكمة ليكون جزءاً من الضوابط لعناوين السياسة القادمة، ومن غير المسموح تجاوزها أو الخروج على نسقها المعتاد، حتى لو بدت المقاربة المصرح عنها لدى إدارة ترامب غير ذلك، أو أنها جاءت من خارج نسق المنظومة التقليدية للمؤسسة الأميركية، ففي القضايا الأساسية لا تغييرات عاصفة، ولا تبدلات دراماتيكية أو تراجيديا غير تلك المنظورة في الفهم الأميركي والتي تندرج بالضرورة في لائحة حسابات ومعادلات تسلط النخبة الاحتكارية على القرار الأميركي.
ويبقى الأخطر هو ما يمكن أن يشكله من انعكاس على الحالة السياسية القائمة في المنطقة، و«مردوده» على التنظيمات الإرهابية ذاتها، حيث تجد فيه جرعة إضافية تعيد ترتيب المفاهيم وصيغ العلاقة مع الإدارة الأميركية على إرث متراكم سبق لإدارة أوباما أن جرّبته وأعادت اجتراره بأكثر من شكل ونموذج، وفي الوقت ذاته تؤمن للدول الإقليمية المشغلة فسحة للاستمرار بإدارة الحرب الأميركية بالوكالة، وتضعها في سياق البحث عن صيغ مفروضة مسبقاً لا مجال فيها للاجتهاد، في وقت تؤمن استمرار الدور الوظيفي المتفق عليه للدول المشغِلة للإرهابيين، حيث لم يكن مصادفة أن يتزامن التحرك التركي في «الباب» مع بعض مرتزقة أميركا بريف الرقة، ليلتقيا وثالثهما داعش بمحيط تدمر في جبهات متوازية.. بعد طول تأجيل..!!
إرث إدارة أوباما لا يريد صاحب القرار الأميركي أن يفرط به، ولا يقوى على السماح للانقلاب من الداخل الأميركي أن يكون أنموذجاً لانقلاب مماثل في الخارج، ولعل الخطط المستقبلية التي اعتمدها الناتو مثلاً تتسق إلى حد بعيد مع هذه الصيغة، وهي ترسم ظلالاً من قيود متفق عليها تجعل أي تفكير بإعادة النظر فيها بحاجة إلى وقت طويل، وهي تتفق مع التفكير بأن ما حققه ترامب من اختراق لا مرتسمات له على أرض الواقع، ولا ترجمة ممكنة أو مسموح بها في سياق المقاربة الاميركية الفعلية، بل في أقصى حالاتها هي مجرد فصل من الدعاية الأميركية يصلح للترويج عن قبول أميركا بالمتغيرات وقابلية التجريب، لكن من دون أن يترتب على ذلك ما يلزم مراكز النفوذ ونخبة الاحتكارات في الأخذ به على محمل الجد.
الفارق الوحيد أن أميركا لا تكتفي بالتثاؤب على فوهة البركان، وإنما تواصل الاجترار في عبثيتها، وهي تلعب بشرر النار المتقدة، وتتلاعب بحممها المتطايرة، حيث يستعجل أوباما حرق ما تبقى من رصيد في جعبة إدارته، ويعبث بآخر أوراقه للاستمرار بإدارة الخراب والدمار في المنطقة التي تبقى أولوية تتقدم على سواها، حتى لو أن الإدارة في أيامها الأخيرة مجرد صدى للصوت الأميركي، واستنساخ رديء للقرار المحفور في الذهن العالمي عن أميركا التي لا تريد أن تتغير، بل لا تسمح أن يحدث يوماً، وهو ما ينسحب على الدور الوظيفي المعدل وراثياً للأدوات والحلفاء والشركاء والمعتدلين والمتطرفين والأكثر تطرفاً..!!
a.ka667@yahoo.com