ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
ترتفع حدة المبارزة السياسية وحتى العسكرية على حلبة أممية لا تعوزها حالة الانفلاش ولا تنقصها مشاهد التصادم الحاد في المقاربات، رغم المواقف التصالحية التي تطل بخجل من بين الكلمات التائهة على ألسنة المسؤولين الدوليين وهم يدبجون الخطابات الرنانة التي عجزت في أحيان كثيرة عن إزالة جو الرتابة أحيانا والضجر السياسي أحيانا كثيرة.
فخطاب الرئيس الأميركي الذي جاء مترعا بمفردات الحرب والتهديد والوعيد ومتخما بأضاليل الحديث عن الادعاء بمحاربة الإرهاب، يكاد يشكل ظاهرة بحد ذاته، حين فتح الباب على سيل من التكهنات والاستنتاجات بعبثية الدور الأممي المنوط بالاجتماعات الدورية للأمم المتحدة وهي تغالي في النفخ برماد العلاقات الدولية التي تواجه كارثة الانحسار والتلاشي على وقع العواصف التي أثارتها تلويحاتها التي وصلت التصريح بإبادة دولة عضو في الأمم المتحدة وإزالتها من الوجود..!!
وبغض النظر عن التبريرات التي يسوقها المشهد الأميركي الداخلي من تفسيرات لخطاب ترامب، فإن المتعارف عليه عمليا أن الخطاب ليس مشهدا فرديا ولا هو تعبير عن مزاج شخصي، بقدر ما يعكس رؤية وربما قرارا أميركيا، خصوصا في مضمونه والاتجاهات الرئيسية فيه، حيث المبادرة والاجتهاد الشخصيان يبقيان في الحد الأدنى وربما دونه بكثير، فيما الاستنتاج العملي يقود إلى الخلاصة المرة بأنه تجسيد لسياسة أميركية تجاري الأهواء المتطرفة داخل الأروقة الأميركية.
فالمعضلة ليست في خطاب أميركي منفلت من ضوابطه، بقدر ما هي في السياق السياسي والإيديولوجي الذي يعكسه والمخاطر التي يكرسها في واقع العلاقات الدولية بحكم أنه قاعدة لعمل سياسي لا ينفرد به الرئيس الأميركي وحده، وإنما المؤسسة السياسية الأميركية برمتها، والمنعكسات التي تجول في خاطر الدول التي تجد في المناسبة السنوية الأممية متسعا من الوقت والفرص للقاءات كانت تشكل انفراجا في العلاقات الدولية ويتم التأسيس عليها لاحقا، بل كان هناك من ينتظر المناسبة تلك ليضخ في الأجواء مساحات من التفاؤل حتى لو كان مصطنعا أو مؤقتا.
من الواضح أن أميركا ليست كل العالم، ولا هي كل الأمم ولا تشكل في عالم اليوم ذلك الحيز السياسي الذي اعتادت أن تكون فيه حاضرة حتى في التفاصيل الجزئية، وحتى المعنية بكل الخطابات الأخرى سواء التي تخطب ودها أم تلك التي تحاول أن تعاند اتجاهات الرياح العالمية أو تشكو الهيمنة الأميركية وحالة الاستلاب التي تورمت على مدى عقدين ونيف من الزمن حين استفردت بالمشهد العالمي، وكانت الصوت الوحيد الذي تعلو نبرته وتهبط وفق مزاج الأطماع الأميركية.
لكنها في الوقت ذاته، ما زالت تستحوذ على المساحة الاكبر في النقاش الذي تشهده حلبة الأمم الممتدة على مدى ايام قادمة، وستبقى على المدى المنظور موضع التجاذب الرئيسي والمتهم الاول عن الحال الأممي الذي لا يسر صديقا يريد للأمم المتحدة أن تستعيد دورها، ولا يزعج مستفيدا من حالة التراخي والعجز والشلل التي تواجه العمل الدولي بفعل الاستلاب المزدوج الذي تواجهه المنظمة الدولية سواء كان عن قصد وتعمد ام جاء بفعل التجاذب في العلاقات الدولية وما فرضه من شرود قسري امتد إلى عمق العمل الأممي وكانت واحدة من معضلات برزت على الساحة الدولية.
ما يضاف إليه اليوم أن الهيمنة الأميركية تفقد عوامل قوتها الموضوعية وتستعيض عنها بعوامل التلويح بالقوة العسكرية كبديل لفرض الأمر الواقع من جهة، والتغطية على جوانب الانحسار الطبيعي في الدور الأميركي بعد بروز قوى مؤثرة على الساحة الدولية أنهت إلى حد بعيد الاستفراد الأميركي بالقرار الدولي من جهة ثانية، وإن لم تتمكن بعد من إنهاء مفاعيله وتفاعلاته وتورماته الجانبية وحالة التضخم المرضي في بعض مظاهره، مما يفسح في المجال امام بروز ظواهر تجعل من العلاقات الدولية مسرحا مترامي الأطراف لفتح الخصومات وربما الصراعات ومجالا خصبا لتفتق عوامل ونمو جبهات واشتعال حروب بمقاييس وأحجام تتناسب طردا مع حالة التجاذب على المنصة الاممية.
حلبة الأمم التي يشكل فيها منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أحد مشاهدها ليست كل ما سيبرز من جولات صراع، معلنة كانت أم مخفية، بل ستمتد إلى الأروقة الجانبية وإلى القاعات الملحقة بالمنظمة الدولية، وستمتد خارجها بحكم الضرورة، حيث الأجندات اليومية واللقاءات الثنائية أو المتعددة ستكون هي الأخرى عرضة لمنازلات تبدأ عند الفارق بين الادعاء بمكافحة الإرهاب والحقائق الدامغة على دعمه والرعاية السياسية وغير السياسية لمموليه، ولا تنتهي عند الفضائح التي تتوالى تباعا وما يتكشف من أكاذيب الغرب ونفاقه والتي تتدحرج على بساط الحلبة الأممية وخارجها.
a.ka667@yahoo.com