الثورة : منال السماك:

بين فرح وحزن، توتر أو قلق، وربما ملل أو إحباط و تعويض عن نقص، تقودنا مشاعرنا في يومياتنا إلى التهور في الإنفاق بطرق لا يمكن ضبطها أحياناً، فلا نتنبه إلا و في جعبتنا الشرائية ما لا نحتاجه حقيقة، وبقرار متسرع وتلبية لرغبة لحظية، قد نفسد مخططاتنا المالية، ونوقع ميزانيتنا الشخصية أو العائلية بمأزق مادي لا تحمد عقباه، في غمرة تسوق اندفاعي غيرمدروس، قد يتبعها ندم و لوم وغرق في دوامة الديون، فما هو التسوق أو الإنفاق العاطفي، وما أسبابه وكيف نتعامل مع هذه الحالة التي قد تنتاب أياً منا تحت وطأة مشاعر طارئة ؟
انفعالي غير مدروس
الإنفاق العاطفي حسبما عرّفته مدربة المهارات الحياتية منال الجبر في حوار أجرته معها ” الثورة ” :هو اتخاذ قرارات شرائية بناء على المشاعر مثل الحزن أو الفرح أو القلق، بينما لا حاجة فعلية للتسوق، وهو إنفاق اندفاعي انفعالي يتبعه الندم، وعادة ما يستخدم كوسيلة للتكيف الآني مع المشاعر الطارئة، سواء كانت إيجابية أم سلبية، فمن خلال التسوق العاطفي يتم التعامل مع المشاعر بشكل مؤقت، ما يمنح المتسوق شعوراً فورياً بالراحة أو الفرح.
أما عن أسبابه فتابعت بالقول: أحياناً يكون هذا الإنفاق ناتجاً عن مشاعر سلبية في محاولة تهدئة إحساس كالحزن أو الإحباط أو التوتر، أو قد ينتج عن مشاعر إيجابية كالإحساس بالحماسة والفرح المفرط الذي يدفع للشراء، ومحفزات خارجية كالتأثر بالإعلانات المغرية والضغوط الاجتماعية، فيندفع البعض بانجذاب للشراء عبر الأنترنت أو من خلال التسوق العادي.
بينما الدوافع النفسية وراء الإنفاق فهي متعددة و تتأثر بالبيئة المحيطة والمشاعر الداخلية، من بينها البحث عن التقدير الاجتماعي، فالبعض منا يشعر بالحاجة للإنفاق على شراء بعض السلع التي تعبّر عن رغبة في الحصول على تقدير الآخرين وإثارة إعجابهم، سواء أكانت ملابس باهظة الثمن أم هاتفاً ذكياً غالياً، ولكن إذا كانت هذه المشتريات تفوق القدرة المالية فإنها تؤدي إلى ديون غير مبررة.
تعزيز الثقة بالنفس
وأشارت الجبر أنه قد تتحكم المشاعر بالإنفاق بدافع الحاجة للتقدير الذاتي، وذلك من خلال اقتناء أشياء لتعزيز الثقة بالنفس، أو مكافأة الذات على إنجاز، فقد يكافئ البعض نفسه بعشاء فاخر أو هدية باهظة الثمن، بعد تحقيق نجاح أو إنجاز هدف مهم في العمل، و هذا النوع من الإنفاق يمكن أن يكون إيجابياً إذا كان ضمن الحدود المتوافقة مع الميزانية، ولكنّه قد يتحول إلى مشكلة إذا كان يعبّر عن رغبة في ملء فراغ عاطفي أو تعويض عن نقص.
وقد يفرط البعض في الإنفاق بدافع الخوف من الفقد، و هذا الدافع قد يؤدي إلى إنفاق مفرط لتأمين احتياجات مستقبلية خوفاً من نفادها من الأسواق، كشراء كميات كبيرة من الطعام أو بعض السلع الأساسية ، و هذا السلوك يمكن أن يكون مبرراً في بعض الحالات الطارئة ، لكنه قد يؤدي إلى تخزين غير ضروري و استهلاك غير متوازن .
الوعي بالمشاعر و الدوافع
ولفتت الجبر إلى بعض الطرق للتحكم في الإنفاق، فقالت : إنه يتطلب وعياً كاملاً بمشاعرنا و دوافعنا ، والتأمل الذاتي قبل القيام بأي عملية شراء لاكتشاف حقيقة مشاعرنا وأهدافنا الشرائية، وسؤال أنفسنا هل نشعر بالتوتر ،هل هذا الإنفاق ناتج عن حاجة حقيقية، أم مجرد رد فعل عاطفي؟
وكذلك ينبغي وضع ميزانية والالتزام بها، ما يساعد في تجنب الإنفاق العاطفي غير الضروري، على أن تكون هذه الميزانية واقعية تشمل الاحتياجات الأساسية و بعض الترفيهية، وتحديد أهداف مالية مستقبلية لنكون أكثر التزاماً في اتخاذ قرارات مدروسة، وهذا يحعلنا أكثر وعياً بأهمية كلّ مبلغ ننفقه .
كما ينبغي أن نتجنب المغريات و العروض المغرية التي تعلن عنها مواقع الإنترنت والمتاجر .
وختمت الجبر الحوار بالقول : هناك دور مهم للمجتمع والثقافة في تشكيل عادات الإنفاق، لذلك ينبغي تعزيز ثقافة الادخار وترشيد الاستهلاك، وترسيخ الوعي المالي من خلال فهم كيفية وضع الميزانية المناسبة للدخل، والتعامل مع المشاعر الطارئة بما يتناسب معها لتجنب الإنفاق العاطفي والوقوع في الديون والعجز عن سدادها، فالعلاقة بين المشاعر والإنفاق علاقة معقّدة، وتتطلب تحكماً ووعياً من خلال فهم المشاعر واتخاذ قرارات مالية أكثر ذكاء، وتحقيق التوازن المالي في حياتنا والتحكم بالإنفاق دون حرمان.