ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
تتأرجح كفة الحسابات في منظومة العدوان بين العربدة الإسرائيلية كفعل لاحق لدعم المرتزقة والإرهابيين، ووقف الانهيارات في صفوفهم، والاحتجاج التركي كفعل مسبق لحماية النصرة ومشتقاتها، حيث الترابط لا يمكن أن تخطئه العين.. ولا يتوه عنه النظر..
ولا يخفى على المنطق والتحليل، والمقاربة فيه تقوم على الأهداف المعلنة والخفية، وأحياناً الذريعة أو الحجة التي تسوقها منظومة العدوان لتبرير ما لا يمكن تبريره، خصوصاً حين يترافق بهذا الكم اللامتناهي من المحاولات المحمومة من الشد العكسي.
فتركيا التي وجدت نفسها أمام اختبار نيات مطول، تحاكي الأحداث والتطورات بشكل مقلوب، حين تريد أن تضع العربة أمام الحصان، وتمارس سياسة الشد العكسي لتحمي مرتزقتها، وتحديداً جبهة النصرة التي لم تدخل في يوم من الأيام في مناطق خفض التوتر، وكانت خارج أي اتفاق أو قرار دولي، لذلك بدا احتجاجها حجة وقرينة إضافية تدينها بشكل موثق.
وعلى الضفة الإسرائيلية كان المشهد يأخذ أبعاداً أكثر وضوحاً لجهة الغايات والأهداف التي تنطوي عليها العربدة الإسرائيلية، سواء ارتبطت بالشكل، أم تعلقت بالتوقيت الذي يثير العديد من الأسئلة الملحّة، خصوصاً حين تكون جزءاً من السلوك الإسرائيلي الطبيعي وحالة دائمة تمارسها إسرائيل كلما سنحت لها الفرصة أو تمكنت من ذلك، أو كلما كانت حاجة الإرهابيين تقتضي التدخل المباشر الذي تحوَّل في الآونة الأخيرة إلى فعل يكاد يتكرر بشكل متواتر نتيجة الهزائم التي تمنى بها التنظيمات الإرهابية وداعموها.
وهذا يفسر إلى حد بعيد التناغم من جديد والتحرك الجماعي لمنظومة العدوان من خلال توازع للأدوار اقتضى أن يكون التصعيد الميداني للتنظيمات الإرهابية مترافقاً مع رفع منسوب الاستهداف، حيث تمارس إسرائيل عدوانها، وتتفق أميركا مع تركيا على توجيه الرسائل الخاطئة لروسيا باستهداف قاعدة حميميم، ليأخذ ثالوث العدوان أبعاده كاملة، وما يجري من مداولات أمنية من أجهزة أوروبية تشارك فيها أميركا وتركيا إضافة إلى إسرائيل المستضيفة هو محاولة للتداول فيما يجري من خيارات بعد الإقرار بالفشل في الرهان على العامل الإرهابي وحده، والتحضر لمرحلة ما بعد هزيمة مشروعه.
وهو ما يتطابق مع التسريبات الأميركية الإسرائيلية عن دور يجب أن يؤسس بدقة لعمليات المشاغلة المشتركة التي تقوم أساساً على أرضية الهواجس وما سينتج في المرحلة المقبلة، والتي ستكون متخمة بمفاجآت غير محسوبة، على الأقل تكون فيها المعادلات المرسومة قابلة للتنفيذ بأقل قدر من الخسائر، حيث العدوان الإسرائيلي جزء من المشاغلة ويهدف إلى إقحام المنطقة بصراعات إضافية، وفي الحد الأدنى التحضير المباشر لجبهات قد تضطر كلتاهما إلى المباشرة فيها.
وعليه فإن التوقيت يشكل الحالة الأكثر مدعاة للتوقف عندها والتأمل في أبعادها ومقاصدها، فحين يكون الهلع التركي جزءاً من تركيبة منظومة العدوان، تحاكي من خلالها دورها الوظيفي الأكثر التباساً من قبل نظام أردوغان، حيث المسألة لا تتوقف عند حدود الاحتجاج وإنما ستترافق بمجموعة من الخطوات التصعيدية للتشويش على مسار سوتشي من جهة وفرملة الاندفاعة في آستنة من جهة ثانية، وربما في مرحلة لاحقة التملص منه تركياً.
الفارق في التصعيد العدواني الأخير وتزامنه مع رفع منسوب الإرهاب، أنه يأتي في سياق موازٍ للأدوار الوظيفية وفق معطياتها الجديدة، لكنها تبقى محكومة بسقف الأدوات التي سبق لها أن وضعت كامل طاقاتها في خدمة المشروع الإرهابي، وكانت النتيجة أو الحصيلة تلك الهزيمة المدوية التي دفعت بوزير الحرب الإسرائيلي للاعتراف قسراً بأن هناك تحدياً أخطر مما كان قائماً، وأن خروج سورية منتصرة من حربها على الإرهاب سيكون مكلفاً أكثر من السابق في تحدياته ومخاطره على منظومة العدوان.. وفي مقدمتها إسرائيل.
المحسوم في سياق المقاربة التي خلصت إليها تقارير الاستخبارات الغربية ومعها الإسرائيلية، أن المنطقة مقدمة على تطورات غير تقليدية، وأن الكثير منها يوجد تحديات لمنظومة العدوان أكثر مما كان قائماً، غير أنها تبقى استنتاجات لا يمكن الركون إليها، إلا في سياق الترويج لمبررات العدوان، وربما كانت قصفاً تمهيدياً بدأته من خلال عربدة إسرائيلية، تقاطعت معه مهزلة الاحتجاج التركي والاستهداف الأميركي، وجميعها لم ولن تحقق شيئاً سوى الدفع بالمنطقة نحو حافة الهاوية.
a.ka667@yahoo.com