ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: عــلي قــاســم
أدلى المواطنون الروس بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية في ظروف دولية بالغة التعقيد, وضمن مشهد دولي تتنازعه جملة من التحديات المفتوحة على مواجهات سياسية ودبلوماسية وعسكرية
في ظل معطيات تنحو باتجاه حسم النتيجة مبكراً من قبل الرئيس فلاديمير بوتين, خصوصاً أن مختلف المقاربات تجزم بأنه يقف خلف مشروع سياسي وضع روسيا على الخريطة الدولية بشكل فاجأ الكثيرين وربما خالف توقعات الاجتهادات الغربية حول روسيا.
وبغض النظر عن المشهد الانتخابي الذي حاولت الدوائر الغربية أن تلاحقه بسيل من المشاهد الافتراضية بغرض التشويش عليه, فإن الإفلاس الواضح دفع معظم تلك الدوائر للنبش في الأوراق المنسية ومحاولة البحث عن صيغ مواجهة معدة مسبقاً، لم تكن الأزمة مع بريطانيا إلا مقدمة لقصف تمهيدي بدأته المنظومة الغربية كإجراء استباقي يفتح جبهات قد يعرف الجميع متى بدأت ولكن سيكون من الصعب معرفة أين ستنتهي, وإلى أين تقود وسط مشهد سياسي غربي يعاني من تخمة في حماقة الكثيرين من قادته, ويمتلك فائضاً من الرعونة التي تحكم الكثير من خياراته.
فروسيا الرئيس بوتين باتت حاجة روسية بالتأكيد فرضت نفسها وأعطت نكهة خاصة ميزت خياراتها في مرحلة تبدو الأخطر في سياق المواجهة العالمية, لكنها أيضاً الأصعب حيث الانتقال الروسي فيها من مرحلة ردة الفعل إلى الفعل, ومن التأثر إلى التأثير, واستطاعت عبره أن تحقق قفزات نوعية ترسم إلى حد بعيد التطلعات الروسية بكثير من التفاؤل, وتضع تلك الطموحات على السكة الصحيحة.
وعلى الساحة الدولية كان من الواضح أن وجود الرئيس بوتين شكل الانعطافة الكبرى في مشهد العلاقات الدولية، واستطاعت روسيا أن تصبح رقماً صعباً ومعادلة محورية في العلاقات الدولية, وأن تضع قدمها على الخريطة السياسية وداخل قاعات مجلس الأمن، حين أعادت للفيتو حضوره الجدي في المداولات الجانبية وفي الصياغات التي شهدتها أروقة المجلس، بعد أن كان حكراً على أميركا طوال عقود خلت, واستطاعت روسيا في عهد الرئيس بوتين أن تؤسس بوضوح لعالم متعدد القطبية رغم حالة المكابرة الأميركية والغربية لذلك.
وفي المنطقة كان الدور الروسي يعبر إلى العالمية وتستعيد روسيا من خلاله دورها التقليدي المعتاد على الساحة الدولية, وتضيف عليه الكثير مما كان يعتبر حتى وقت قريب غير وارد، واتكأت روسيا في هذا العبور على الأحداث في سورية ومثلت فيه حجر الزاوية من خلال خطين متوازيين, الأول في المعركة السياسية التي خاضتها عبر مجلس الأمن, والثاني في مواجهة التنظيمات الإرهابية من خلال تقديم الدعم للجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب، والتي شكلت التحول النوعي في مقاربة الدور الروسي والحضور الفاعل لدور الرئيس بوتين شخصياً.
الطموح الروسي المشروع يتقاطع إلى حد بعيد مع التطلعات المشروعة لكثير من الشعوب في بناء نظام عالمي يخفف من السطوة الأميركية، ويحدّ من هيمنتها المطلقة التي جيّرت مقدرات الشعوب إلى مطية في خدمة أطماعها مابعد الأمبريالية ومافوق الأحادية القطبية، وخاصة أن وجود الرئيس بوتين يشكل إلى حد بعيد أحد العوامل الضامنة لاستمرار الدور الروسي بهذا الزخم، حيث إن المساهمة الشخصية كانت نقطة محورية تم التأسيس عليها في قراءة الدور الروسي دولياً.
قد تختلف المقاربات التي تحاول تقديم قراءة آفاق هذا الدور في مرحلة مابعد الانتخابات ، لكنها تكاد تجمع بمختلف أطيافها على الإقرار بأن وجود الرئيس بوتين تحول إلى مشهد حجز فيه الدور الروسي المساحة التي يستحقها كقوة تجابه الهيمنة الأميركية والغطرسة الغربية بالعموم، وإلى مشهد تتمحور حوله النقاشات.. وصولاً إلى القناعات التي تحاكي هذا الدور وترسم من خلاله الإحداثيات المستقبلية لدور روسي يحقق بإجماع الحلفاء والأصدقاء كما هو بإقرار الخصوم والأعداء جزءاً من التوازن للنظام العالمي المنتظر في حقبة مابعد أفول الأحادية والاصطفافات المسبقة واللاحقة لها.
a.ka667@yahoo.com