ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكن التوصيف الذي أطلقه خبراء روس على العربدة الإسرائيلية الأخيرة بعيداً عن الواقع، في ظل إدراك متزايد بأن إسرائيل كانت باستمرار هراوة أميركية تُستخدم حين تقتضي الحاجة لذلك, وذراعاً كاملاً يتحرك حسب الطلب الأميركي ووفق الإحداثيات التي تقررها أطماع البيت الأبيض،
خصوصاً أن العربدة الإسرائيلية تكون «مشفوعة» بضوء أخضر أميركي، وفي أحيان كثيرة بناء على طلب مباشر, والأخطر بتنسيق في التوقيت والمكان والهدف..!!
المشهد لا يبدو غريباً عن السياق التصاعدي الذي تنحو باتجاهه منظومة العدوان, وتعدد نماذج أكاذيبها، وتتوازع خلاله أدوارها في دعم الإرهاب، حيث اعتادت إسرائيل التدخل المباشر في دعم الإرهابيين كلما شعرت أن هناك خطوة باتجاه التضييق عليهم, وكلما اقتضى الأمر أن يكون هناك عدوان من أجل رفع معنوياتهم، والذريعة دائماً جاهزة ومصطنعة، مادام هناك آلة إعلامية وسياسية ودعائية تسوّق الذريعة الإسرائيلية.
اللافت أن العربدة الإسرائيلية دائماً تأتي في توقيتها منسجمة مع الحاجات الأميركية، والأهم أنها تسبق التصعيد الأميركي ومتوافقة مع متطلباته، مع فارق في الذريعة التي قد تشكل مخرجاً للحرج الأميركي بعد رفع سقف التهديد بناء على فبركات سرعان ماتتبدد مشاهدها بحكم الأمر الواقع، لأن الحقائق تنكشف تباعاً، وروايات الخارجين من أسر الإرهابيين كافية لدحض كل الادعاءات، والأهم دحض الفبركات والأكاذيب.. وصولاً إلى نسف رواية الإرهابيين ومشغليهم وسحب الذرائع الأميركية والفرنسية التي بدت أقرب إلى الأحجية في طريقة التسويق والترويج والتبني.
لكن ضمن هذا المعطى تبني إسرائيل افتراضاتها المسبقة على المهمة الموكلة إليها، والتي زادت الطين بلة حين ادعت العلاقة بين عربدتها والاتهامات الأميركية، لتؤكد بشكل قاطع أنها في نهاية المطاف تنفذ أمر عمليات أميركي, وفي أقل الأحوال تمت بتغطية سياسية أميركية مسبقة، باعتبارها قد تكون مخرجاً أقل حرجاً للأميركي حين يضطر للدخول مباشرة في العدوان، وما قد يثيره من تداعيات لن تقف عند حدود الحسابات الأميركية, وتفتح الباب على اختبارات روسية لا حاجة لأميركا لخوض مدى جديتها، وقد تكون ممراً إجبارياً باتجاه لا يحتمل الرجوع.
الأخطر أن الذريعة الإسرائيلية جاءت في وقت لا تحتمل فيه المنطقة المزيد من العربدة, وتعاني من أجواء متوترة ومشحونة إلى درجة الغليان، وأن أي انزلاق على صفيح المنطقة، سيكون من الصعب تداركه في ظل مؤشرات واضحة على أن ترددات الخيارات الأميركية تبدو متضاربة ومتباعدة، وأحياناً عاجزة عن تقديم تفسير للكثير من المقاربات القابلة للتغيير بين عشية وضحاها، وخصوصاً مع غياب أي مؤشرات على حسم أميركي سريع لها, حيث هي حاضرة جميعا على طاولة لا تتسع للكثير من الخيارات.
وسط هذا اللهب، يفتح الإسرائيلي «شهيته» للعدوان فيما يعربد الغرب في محفل من الأكاذيب المكرورة تتجاوز العتبات التقليدية المعتادة، انطلاقاً من معادلات تحاول أن تختبر مدى جاهزية المنطقة لتقبل شراره إضافية, وهو يترك الحبل على الجرار في القراءات التي تحاول تقديم تفسير عن الأسباب غير المباشرة التي لم تخرج عن نطاق العدوانية الإسرائيلية، فيما الأسباب المباشرة تتعدد بتعدد الرسائل والاحتمالات التي تواجهها منظومة العدوان كلها، حيث المشروع الإرهابي يواجه انكساراً قد يكون مفصلياً ويتجه في خط انحنائه نحو اللاعودة.
ضمن هذه المقاربة تأتي المشاهد القادمة من مجلس الأمن لتؤشر إلى المماحكة الغربية التي تقابلها مواقف مستجدة ومتحركة من دون سقوف قدمتها روسيا على الأقل في سياق هذه المقاربة، ليس أقلها تجديد التذكير بالتزاماتها المشتركة مع سورية والطلب من إسرائيل تقديم توضيح حول عدوانها، فيما كان الصوت من على منصة مجلس الأمن رادعاً ويؤشر إلى ما قد يتجاوز لاحقاً حدود الدبلوماسية، وهو على الأقل يفتح بوابات المواجهة بشكل لا سابق له.
ويبقى المشهد في نهاية المطاف محكوماً بالحقائق التي تتراكم.. بدءاً من حتمية انكسار المشروع الإرهابي والمنحى التنازلي في مؤشراته، وليس انتهاء بالحتمية الأخرى التي تقابله على المسار نفسه والمتعلقة بتفكك عوامل منظومة العدوان وتساقط أكاذيبها وفبركاتها وصولاً إلى تباعد أجنداتها على المستويين الإقليمي والدولي, مروراً بالصياغة الجديدة لمشهد العلاقات الدولية الذي تفقد من خلاله السطوة الأميركية حالة الاستلاب التي كانت قائمة، والأهم أن مخاض النظام العالمي بات في طوره الأخير، وإن كان أخطر الأطوار وأكثرها أثارة لمشاهد النزاعات بجبهاتها المفتوحة.
a.ka667@yahoo.com