الكيماوي… حين صارت الثقافة ذاكرة الدم 

وزير الثقافة  

محمد ياسين الصالح  

للثقافة في مجزرة الكيماوي التي ارتكبها نظام الأسد الساقط كلمة أبعد من السياسة وأقوى من الإحصاء. فالمجازر، مهما حاول البعض حصرها في لغة الأرقام والتقارير، هي في جوهرها ضربٌ لذاكرة الشعوب ومحاولة لمحو سرديتها. ومن هنا، تحوّل الكيماوي من حدث عسكري دموي إلى علامة فارقة في الوعي الثقافي السوري. لقد أصبح جزءاً من الحكاية التي سنرويها لأبنائنا، ومن النصوص التي سيكتبها الأدباء، ومن الجداريات التي سيرسمها الفنانون، ومن القصائد التي ستظلّ تردّدها الأجيال جيلاً بعد جيل.

إن الثقافة هي المقاومة الأعمق للموت. فحين رحل أطفال الغوطة وهم يبتسمون في سباتهم الأخير، لم يختفوا من الوجود، بل دخلوا ذاكرة الأدب والفن، وصاروا رمزاً يذكّرنا بأن الوطن لا يُبنى على النسيان. كل لوحة ترسم طفلاً يضحك، وكل قصيدة تستحضر براءة الغوطة، وكل أغنية تحاول أن تعيد للهواء طهره، إنما هي مواجهة ثقافية مع الموت، وتأكيد أن العدالة، وإن تأخرت في ساحات المحاكم، فهي حاضرة منذ اللحظة الأولى في وجدان الشعوب.

إن إحياء ذكرى الكيماوي ليس مجرد وقفة حداد، بل هو فعل ثقافي بامتياز. هو إعلان أن سورية، رغم الجراح، ما زالت تمتلك الكلمة والصورة واللحن والشهادة، لتواجه بها محاولات المحو والطمس. إنه تأسيس لذاكرة جماعية تقاوم النسيان، وترفض تحويل الجريمة إلى مجرد بند في تقرير دولي. وكما قال الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي: “التاريخ يعلّم، لكنه لا يعفو”. وتاريخنا القريب يفرض علينا أن نكتب، أن نوثّق، وأن نغرس في وعي الأجيال أنّ ما جرى لم يكن وهماً ولا التباساً، بل جريمة مكتملة الأركان، ستظل الثقافة الوطنية شاهدة عليها إلى أن يتحقق القصاص.

لقد علّمتنا المجازر الكبرى في التاريخ، من هيروشيما إلى سربرنيتسا، أن العدالة تبدأ بالذاكرة. من لا يتذكّر، يعيد إنتاج المأساة. ومن هنا تأتي مسؤولية المثقف السوري اليوم: أن يحمي ذاكرة وطنه من التزييف، وأن يحفظ وجوه الأطفال الشهداء كأيقونات حيّة، لا كصور باهتة في أرشيف منسي.

وهكذا، فإن المجزرة، برغم بشاعتها، صارت جزءاً من سرديتنا الثقافية التي تبني المستقبل على قاعدة الحقيقة. ولعل أعظم انتصار لأرواح الشهداء أن تتحوّل ذكراهم إلى ذاكرة حيّة، وأن تتحوّل دماؤهم إلى مداد يكتب به المثقفون والشعراء والفنانون صفحةً لا تزول من كتاب سورية. إننا، بإحياء هذه الذكرى، لا نبحث عن الحزن، بل نؤسس للعدل، ونحمي وجدان الوطن من أن يشيخ أو ينسى.

آخر الأخبار
وزير السياحة يشارك في مؤتمر “FMOVE”  التحول الرقمي في النقل: إجماع حكومي وخاص على مستقبل واعد  وزير النقل لـ"الثورة": "موف" منصة لتشبيك الأفكار الريادية وتحويلها لمشاريع      تنظيم شركات المعلوماتية السورية  ناشطو "أسطول الصمود" المحتجزين يبدؤون إضراباً جماعياً عن الطعام حوار مستفيض في اتحاد العمال لإصلاح قوانين العمل الحكومي مناقشات استراتيجية حول التمويل الزراعي في اجتماع المالية و"IFAD" الشرع يبحث مع باراك وكوبر دعم العملية السياسية وتعزيز الأمن والاستقرار العميد حمادة: استهداف "الأمن العام" بحلب يزعزع الاستقرار وينسف مصداقية "قسد" خطاب يبحث في الأردن تعزيز التعاون.. و وفد من "الداخلية" يشارك بمؤتمر في تونس حضور خافت يحتاج إلى إنصاف.. تحييد غير مقصود للنساء عن المشهد الانتخابي دعم جودة التعليم وتوزيع المنهاج الدراسي اتفاق على وقف شامل لإطلاق النار بكل المحاور شمال وشمال شرقي سوريا تمثيل المرأة المحدود .. نظرة قاصرة حول عدم مقدرتها لاتخاذ قرارات سياسية "الإغاثة الإسلامية" في سوريا.. التحول إلى التعافي والتنمية المستدامة تراكم القمامة في مخيم جرمانا.. واستجابة من مديرية النظافة مستقبل النقل الرقمي في سوريا.. بين الطموح والتحديات المجتمعية بعد سنوات من التهجير.. عودة الحياة إلى مدرسة شهداء سراقب اتفاقية لتأسيس "جامعة الصداقة التركية - السورية" في دمشق قريباً ليست مجرد أداة مالية.. القروض المصرفيّة رافعةٌ تنمويّةٌ