ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تكثر الأحاديث عن تفاهمات وشيكة فيما يخص ما اصطلح عليه تخفيف التصعيد في المنطقة الجنوبية، وتترافق بسيل من الاستنتاجات وأحياناً المبالغات القائمة في جزء كبير منها على افتراضات تبدو مخالفة للواقع..
ومتعارضة مع منطق الأحداث وتطوراتها، وتأخذ شكل خلاصات تحمل عوامل مغالطاتها من داخلها قبل أن تكون خارجها، بدليل أن كل ما تم تداوله حتى اللحظة لا يعدو في مساره الأساسي أكثر من محاولات خجولة في بعضها.. ومترددة في بعضها الآخر تنتظر تغيير الظروف السياسية وربما الميدانية.
فالرسائل المحمولة في التصريحات الإعلامية تبدو غير تلك التي تقدمها الممارسات، وتحديداً في الجانب الأميركي ومعه الفرنسي والبريطاني، حيث لا أحد لديه شك في أن ما يتم تحضيره من مسرحيات الكيماوي بشخوصه الجديدة ومسرحه الأجد، يؤشر إلى واقع سياسي لا يمكن تجاهله أو التغافل عن معطياته، وما يتضمنه بين سطور رسائله من جزم بأن الأميركي ومنظومته الدولية ومرتزقته ليس بوارد إنجاز تفاهمات حقيقية تنتج حلولاً، بقدر ما يسعى عملياً إلى تعطيل تلك الحلول.. وفي الحد الأدنى تأجيلها أو عرقلتها، وهو ما يمكن فهمه من حديث البنتاغون الأميركي حول ذرائع وجوده في التنف.
والخطير في المسألة أن الأمر لا يتوقف عند حدود العرقلة والتعطيل بل يرسم بخطواته المتلاحقة حاجزاً يحول دون النظر إلى الإضافات الملحقة به، خصوصاً تلك التي تقترن بتراكم التجربة مع الأميركي في هذه القضايا، حيث لا يمكن الوثوق بوعوده، ولا يمكن البناء على ما يقدمه من التزامات، وهذا التعاطي يسري على الخصوم كما هو على الحلفاء، ومع الأعداء كما هو حاله مع الأصدقاء، خصوصاً أن سياق التورط مع الأميركي أنتج على الدوام مرارة لا يمكن التغاضي عنها، وتحديداً ما يتعلق منها بخططه التي تتبدل بين لحظة وأخرى وتتعدل بين خطوة وثانية.
فإذا كان مفهوماً الحديث الروسي عن اللقاء الثلاثي مع الأردني والأميركي والذي بدا أبعد من أي وقت، باعتبار أن التنسيق يوفر الكثير من الوقت والجهد، ويحول دون الغوص في حسابات ومعادلات أو الانزلاق خلف مقاربات تبدو حمّالة أوجه وقابلة للتأويل المزدوج، في ظل مشهد يتناوب فيه الأميركي مع الإسرائيلي على إضفاء المزيد من التسويف والمماطلة التي تخضع بدورها لتبدلات صادمة ومفاجئة، وفي أحيان كثيرة يصعب إخضاعها لمنطق التفاهمات وحساباتها المتعرجة.
الواضح أن الأميركي ليس في عجلة من أمره، لأن الإسرائيلي لم يحسم خياراته، ولم ينهِ حتى اللحظة «حسن الجيرة» مع الإرهابيين وتنظيماتهم، بحكم غياب البدائل، والتي تؤكدها زيارة وزير الحرب الإسرائيلي إلى روسيا وتصريحاته التي تشبهه، ويصعب فهمها من دون الأخذ بعين الاعتبار الحسابات المستجدة في المشهد الإقليمي وارتباطه بالدور الوظيفي للتنظيمات الإرهابية وانعكاسها المباشر للخيارات الأميركية في هذا السياق، كونها تشكل إحدى ركائز التوظيف الأميركي القادم في وجودها وحضورها داخل تقاطعات المشهد الإقليمي بفصوله المختلفة، بحيث تقاس درجة الانخراط الأميركي بحدود الحاجة المستجدة لتلك الفصائل بتعدد تسمياتها.. وأولئك المرتزقة باختلاف مساحات وجودهم.
الاختلاف الوحيد أن حدود المساحة على المناورة الأميركية تضيق، والهوامش المتاحة للتسويف تقع تحت ضغط الإفلاس السياسي، وإن كان ذلك كله لا يغير في المعادلة الأميركية الأساسية، وهي كانت وستبقى تحت الطلب الإسرائيلي وما عداه لا يعدو كونه عبثاً في عبث، لن يوصل إلى مكان سوى مزيد من محاولات محمومة للاستمرار بإدارة ما أنتجته السياسة الأميركية من خراب ودمار في المنطقة، ريثما يتحول الهاجس الإسرائيلي إلى نقطة تحول تتيح لها قبض الثمن مسبقاً.
التفاهمات الصعبة في هذه الأجواء والمناخات السياسية المتخمة بالرغبة في التسخين والابتزاز لن توصل إلى مكان، حيث الفرق هنا ليس فقط في المقاربات وتناقضاتها، وإنما في النتائج المرجوة واحتمالاتها، بحكم أن الإسرائيلي لا يزال يراهن على دور «الجيرة الحسنة» للتنظيمات الإرهابية كجسر تتكىء عليه حكومة نتنياهو، كما يراها الأميركي بيدقاً إضافياً على رقعة تتسع حسب ترجيحاته باتساع هوامش وجودها وتشكيلاتها… فيما الهواجس الأردنية تبقى فرق حساب لا يقدم ولا يؤخر في كثير من الأحيان.. وربما كان خارج الحسابات الإسرائيلية والأميركية على حد سواء.. فيما القراءة المنطقية تقود إلى صعوبة وربما استحالة تحقيق أي تفاهمات.. وإن كانت السياسة الأميركية ومقارباتها لا تخضع للمنطق، ولا تحتكم في أحيان كثيرة لمرجعيات، ولا تتقيد بمعادلات وحسابات.
a.ka667@yahoo.com