ثورة أون لاين – علي نصرالله:
المُناورات العسكرية التي تُجريها الجيوش الوطنية هي ترجمة عملية لبرامج تدريبية تَختبر الجاهزية القتالية للأفراد والعتاد، وتلك التي تُجريها الجيوش الوطنية في عدة دول صديقة بالشراكة والمُشاركة هي أيضاً برامج تدريبية تَختبر القدرات، لكن هل تجري هذه وتلك أتوماتيكياً أو روتينياً، ودائماً بهدف تَفقد الجاهزية والاختبار؟ أم أنّها تكون في غالب الأحيان مُحمّلة برسائل سياسية للخصوم؟.
اختيارُ التوقيت لإجراء الاختبارات الاعتيادية والمُناورات غير الدورية، الفردية أو المشتركة بين الجيوش، لاشك أنه أمر يتصل بالسياسة، ومَعني بإرسال مضامين ردعية للخصوم، سواء كانت دولاً بعينها أم تحالفات قائمة على مستوى دولي أو إقليمي.
اتخاذُ القرار بإجراء مُناورات أكبر من سابقاتها لجهة المساحة والنطاق الذي تجري فيه، ولجهة المُشاركة فيها سواء لناحية الدول أم لناحية القوات بتعدد اختصاصاتها وتنوعها أم لناحية عديد كل منها بين قوات المشاة والبحرية والجوية والفضائية، أيضاً يرتبط عضوياً بالمُعطيات السياسية، وحراك الخصوم والأعداء على مَسارات السياسة.
المعنى، أنّه إذا كان للمُناورات الدورية من الأسباب المُوجبة لإجرائها في السنة مَرتين مثلاً لاختبار سلاح جديد أو لتَفقد جاهزية القوات والأفراد، فإنّ للمُناورات الاستثنائية الواسعة الكبيرة المُتعددة والمُتنوعة من الأسباب المُوجبة التي لا تتصل ربما إلا بالحركة السياسية الدولية وخاصة منها ما تُبديه أو تَفرضه من تحديات حركةُ الخصوم والأعداء.
خلال السنوات القليلة الماضية جرى تَغييرات جوهرية في دول عظمى على الاستراتيجيات اشتملت تغييراً مُثيراً في العقيدة القتالية والسياسية وصلت إلى حدود وضع تصنيفات حمقاء تؤكد رسمياً اتخاذ موقف نهائي من أنّ هذه الدولة وتلك هي عدو ولن تكون يوماً بين الأصدقاء – واشنطن تُعلن: روسيا لن تكون صديقاً أبداً – فهل على واشنطن إلّا أن تنتظر رداً يردعها على أقل تقدير، على اعتبار أن روسيا مُتوازنة ولا تَستفز أحداً لتَرد بشكل استفزازي؟!.
لا شك أن مُناورات الشرق غير المَسبوقة التي ستُجريها روسيا في أيلول القادم في سيبيريا والشرق الأقصى بمُشاركة جيش الصين والقوات المُسلحة المَنغولية، وتُشارك فيها المنطقتان العسكريتان الشرقية والمركزية، والأسطول الشمالي، وقوات الإنزال الجوية، والطائرات بعيدة المدى، وطائرات النقل العسكري الروسية – لا شك أنها – تَجري بدوافع هي على درجة عالية من الأهمية، أولها مُحاولة إيصال رسالة ردع قوية لواشنطن وحلف الناتو، ترد على الاستفزازات ومُحاولات التحرش المُتواصلة التي تقوم بها الولايات المتحدة في بحر الصين، وفي توسيع انتشار الناتو، وفي نشر الدرع الصاروخية!.
لسنا بوارد تَضخيم المَخاوف من أنّ العالم يقف على أعتاب حرب عالمية مُدمرة قد تَندلع بسبب حماقة أميركية تتصل بأطماعها من جانب، وبسلسلة الانتكاسات والهزائم التي حَصدتها كنتائج لحروبها العدوانية على امتداد العالم، إلا أننا مَعنيون بقراءة التطورات على نحو يُجانب الحقيقة والواقع الذي يَبقى مُهدداً ما لم تدرك الولايات المتحدة وبقية الشركاء خطورة الاستمرار بانتهاج سياسات البلطجة، والتقدم على مسارات التصعيد في العقوبات والتهديد بالحروب، والنأي عن الحوار، بل رفضه، في مُقابل فرض إملاءات وضعها لا يَسمح لها بفرضها، فضلاً عن أنها مَرفوضة أصلاً!.