ظهر مفهوم المشكلة السكانية بشكل واضح إلى الوجود في النصف الثاني من القرن العشرين وهو يعبر عن حالة من الاضطراب الديموغرافي التي أصابت العالم بسبب التزايد السكاني الكبير الناجم عن ارتفاع معدلات النمو الطبيعي للسكان
لأسباب كثيرة تشهدها القارات والبلدان عامة .وللوقوف على بعض الاسباب والنتائج نستعرض في هذا الإطار ما تضمنه كتاب الدكتور قاسم الربداوي الأستاذ في جامعة دمشق قسم الجغرافية. من معطيات ديموغرافية وتفصيلات كثيرة غنية في كتابه الذي يحمل عنوان المرجع في المشكلة السكانية وأبعادها التنموية .
أهمية الكتاب تنبع من ناحية دراسة المشكلة ومعالجتها بشكل عام والحالة التطبيقية هي سورية وأنحاء الوطن العربي وفيما يتعلق بالاتجاهات والأساليب والطرق البحثية في معالجة المشكلة السكانية وأسسها النظرية والتطبيقية،ومناهج البحث ومراحله بين الباحث واقع حال ظاهرة النمو السكاني من حيث اسبابها ،معدلاتها وقياسها ونتائجها ونظرياتها،إضافة لما يتعلق بأسباب الهجرة الداخلية والخارجية والمشكلات الناجمة عنها.وكذلك الهجرة من الريف إلى المدن ودراسة الدوافع والأسباب الجاذبة وغيرها ،معرجا على الاتجاه الإقليمي وتطور عدد السكان في سورية بين أعوام ١٩٤٧-٢٠١١ وتأثيره في التخطيط والتنمية وتصنيفه سواء كان نموا طبيعيا أم ناجما عن الهجرة،وكيف تطور عدد سكان المدن السورية خلال ٥٠ عاما،و واقع حال المدن والعواصم العربية وتأثير الهجرة الخارجية من البلدان العربية،وأبرزها هجرة الكفاءات العربية إلى البلدان الغربية ومصادرها وأسبابها وكيفية العمل للحد منها وتأثيرها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وفي مفهوم الأساليب النظرية عرض الدكتور المؤلف مجموعة النماذج الجغرافية ذات الصيغ النظرية التي تستخدم من قبل الباحث في التحليل الجغرافي للظاهر ات السكانية سواء كانت وصفية ،ام كمية لإظهار التغيرات التي تحصل على تلك المظاهرات مثل النمو السكاني وقياس وحركة الولادات والوفيات والإسقاطات السكانية وتوقعاتها في المستقبل،إلى جانب حركة الهجرة وقياسها.
وفي العرض التحليلي هناك وصف للظاهرة السكانية ومشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية في سورية والدول العربية.اما الأسلوب الكمي فاعتمد على استخدام المعادلات والطرق الرياضية في تحليل الظواهر السكانية والديموغرافية وصولا إلى النتائج العلمية المطلوبة اعتمادا على البيانات الإحصائية من المصادر المؤسساتية الرسمية ،والأولية،والمتعلقة بالمعلومات من حيث الأبعاد التنموية للمشكلة السكانية مثل البعد الاجتماعي والخدمي و تشمل التعليم وتخطيطه،والخدمات الصحية وتخطيطها مثل عدد السكان إلى عدد الأطباء والمشافي وتجهيزاتها والمراكز الصحية والصيدليات،ثم الدخل والمستوى المعيشي وغيره من خدمات المياه والكهرباء والنقل والمواصلات والصرف الصحي وغيره. ناهيك عن الاسلوب الرياضي الإحصائي المستخدم في تحليل البيانات الإحصائية.
وفيما يخص الاتجاهات التطبيقية ومفاهيمها يبين الدكتور الربداوي أن دراسة المشكلة السكانية في الاتجاه التطبيقي يقصد به المنحى الموضوعي والإقليمي الذي يتم فيه تحويل البيانات الإحصائية على اختلاف مصادرها وأنواعها إلى علاقات وطرق قياسية توضع في خدمة التنمية،من خلال رسم خطط اقتصادية مستقبلية،موضحا مفهوم المسح الاجتماعي الشامل والجزئي ،ومفهوم العينية وأنواعها،ودور الخرائط السكانية التي يتم من خلالها عرض نسب الكثافة السكانية بواسطة خطوط متوازية أو متقاربة أو متباعدة وغيرها.
مناهج البحث في دراسة المشكلة السكانية اعتمدت المنهج التاريخي والتحليلي والاستقرائي والاستنتاجي،والمنهج النظري،والتطبيقي الميداني،والقياس النسبي،والتخطيطي،ومنهج المشكلات.
ويعرف الكتاب في فصله الثاني الأسس النظرية للمشكلة السكانية والتي لها أهمية كبيرة في توضيح مفهومها ونظرياتها العديدة ،فالأزمة السكانية هي حالة سكانية تصيب مجتمعا أو قارة ناجمة عن التزايد السكاني الكبير الذي يحصل بسبب ارتفاع معدلات النمو الطبيعي للسكان في منطقة جغرافية معينة ،ولكنها أكثر تعقيدا وخطورة من المشكلة السكانية،وقد تدوم طويلا دون حل،وقد تتحول المشكلة إلى أزمة يصعب حلها،الا خلال فترة أطول. اما الانفجار السكاني فهو حالة ديموغرافية غير طبيعية مفاجأة أصابت العالم،وتتمثل بارتفاع معدلات النمو الطبيعي للسكان خلال فترة قصيرة نجم عنها زيادة هائلة في عدد السكان،لأسباب ديموغرافية واجتماعية واقتصادية.
وتحدث الدكتور الربداوي في الفصل الثالث من الكتاب عن أبرز العوامل المؤثرة في المشكلة السكانية منها، الديموغرافية،والاجتماعية والاقتصادية والسياسات السكانية. وبعد استعراض واقع السكان في القارات الاسيوية ،والإفريقية،والأمريكية والأوروبية،والبلدان الواقعة في المحيط الجنوبي ومقاربة الواقع السكاني لبلدان هذه القارات مع تطور معدلات النمو الطبيعي للسكان في الوطن الذي يتميز بارتفاع معدلات وخاصة في الفترة الواقعة بين اعوام ١٩٧٥-٢٠١٠،إذ تشير الإحصائيات أن المعدل بلغ عام ١٩٧٥، ٣٦بالألف وهي نسبة عالية.
وحول مؤشرات المشكلة السكانية التي عرض لها الفصل الرابع من خلال دراسة مقارنة للوطن العربي والعالم ،ركز البحث على تطو ر عدد السكان،والتركيب العمري والنوعي،وارتفاع معدلات الاعالة ومفهومها،بالإضافة إلى حيثيات الهجرة والتحركات السكانية ومفهومها،وتفاصيل انخفاض العمر الوسيط للسكان،التوزع الجغرافي غير المتوازن للسكان.
وفي الباب الثاني ركز البحث على أهم الأبعاد التنموية للمشكلة السكانية مع واقعها في الوطن العربي حيث تم تسليط الضوء على البعد الاجتماعي والخدمي وتخطيطه في مجال التعليم والأمية ،والخدمات الصحية والحصول على الحاجات اليومية الضرورية للسكان،وعرض واقع الفقر وانخفاض مستوى المعيشة.كما كان للبعد التنموي الحضري والريف حصة في الشرح والتفصيل من خلال معرفة الاسباب التي ادت الى تضخم المدن،وكذلك التحضر وعوامله ومراحله،وماهية ظاهرة المدن المهيمنة،وحركة السكان اليومية وحجمها.
وفي البعد الاقتصادي والبيئي أوضح الكتاب أسباب عدم التوازن بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي،وتأثير انخفاض الدخل ومستوى المعيشة والبطالة ،وزيادة حجم القوى العاملة وتخطيطها ومفهومها .بالإضافة إلى مشكلات عمالة الأطفال المبكرة،وتأمين المياه والغذاء للسكان،والوقوف على مشكلة الاستنزاف البشري للموارد الطبيعية ومصادر الطاقة،واثر التزايد السكاني في ظاهرة التلوث البيئي والاحتباس الحراري،ودور العولمة وعلاقتها بالمشكلة السكانية.
يتضمن الكتاب ٤٧٩ صفحة وهو من منشورات جامعة دمشق كلية الآداب والعلوم الانسانية ٢٠١٣-٢٠١٤
غصون سليمان
التاريخ: الأربعاء 9-1-2019
رقم العدد : 16880