لماذا اتخذ ترامب قراراً بتعليق المعاهدة النووية مع روسيا؟

صدرعن الولايات المتحدة قرار بتعليق مشاركتها في معاهدة خفض الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى التي أبرمتها مع روسيا الأمر الذي أصاب العالم أجمع بقلق وتحسب بالغ، ويبدو أن أمر الخروج من تلك الاتفاقية يمثل ما كان يطمح إلى تحقيقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
جرى إبرام المعاهدة المشار إليها عام 1987 بين الرئيس رونالد ريغان والزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، ونص محتواها على التزام الطرفين بتدمير كافة الصواريخ النووية القادرة على قطع مسافة تتراوح بين 500 إلى 5500 كيلومتر.
ادعى البيت الأبيض أن ما اتخذه من إجراء حيال عملية الانسحاب كان نتيجة لانتهاك روسيا لبنود الاتفاقية، ووجه الاتهام لموسكو بشأن نشر صواريخ نووية أثارت المخاوف في أوروبا ودول الاتحاد السوفييتي السابق التي تتحالف مع الغرب في هذه الحقبة من الزمن.
وقد ذُكر بأن القرار المومى إليه قد جرى اتخاذه عقب سجالات ومناقشات حادة بين القوتين في مطلع الأسبوع الفائت تخللها نفياً روسياً قاطعاً لادعاءات الولايات المتحدة. وعلى الرغم من الصدقية التي اتسمت بها الاحتجاجات الروسية، شاهدنا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يعلق بقوله (عندما تخرق دول القوانين فإنها يجب أن تخضع للمساءلة).
بتقديرنا نرى أن ما اتخذته الولايات المتحدة من قرار سيفضي للتسارع في ملء مستودعاتنا النووية، وينذر بأن الحياة على الأرض أوشكت على نهايتها جراء ما ينجم عن استخدام للأسلحة النووية.
لا نشك بأن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الانتشار النووي لا تمثل معضلة كبيرة إذا ما قورنت بالجهود المبذولة لتخليص العالم من الأسلحة النووية، أو حتى محاولة السيطرة على هذا النوع من الأسلحة المخيفة. إذ إن الجميع لا يرغبون بالعودة إلى الحقبة السوداء حيث سادت سياسات الحرب الباردة عندما جعلت أمر الأسلحة النووية على غرار السيف المعلق فوق رأس ديموقليس.
ولكن قد يستدعي منا التساؤل عن الأسباب التي دعت ترامب للانتظار كل هذه الفترة الطويلة لاتخاذ مثل هذا القرار؟
في واقع الأمر، فإن الرئيس الأميركي لا يعطي لاتفاقية الأسلحة النووية التي جرى التوصل إلى عقدها قبل نحو 30 عاماً ما تستحقه من اهتمام، بل إن جل اهتمامه ينصب على ما يطول شخصية ترامب بذاته، إذ نراه يكرس تركيزه على المشاكل التي يرى بأن روسيا كانت سبباً له بها، حيث نجد أن إدارة ترامب قد نهجت بإصرار على نفي الادعاءات ذات الأبعاد العميقة التي تتعلق بقيام علاقات دافئة بين ترامب وبعض المسؤولين في إدارته مع الكرملين ولاسيما في ضوء اقتراب تحقيقات مولر (المسؤول عن كشف ملابسات تلك العلاقة) أكثر وأكثر من الرئيس ذاته.
في هذا الأسبوع، أجرى روبرت مولر تحقيقاً مع المستشار السياسي والعضو في اللوبي روجر ستون المقرب من ترامب (الذي ينتمي للحزب الجمهوري ووشم على ظهره صورة الرئيس ريتشارد نيكسون). وقد سبق لترامب أن واجه فضائح وتهماً عديدة ومنها علاقته المشينة مع نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيال، لكنه لم يصار إلى إثبات أي من تلك الفضائح بحقه، وعلى الرغم من ذلك، فإن هجوم مولر قد أصبح يمثل تهديداً حقيقياً للرئيس الأميركي، ومن المرجح أن يوفر الأرضية لمقاضاته.
إن المزاعم المثارة التي تتهم ترامب بإقامة علاقة مع روسيا قد تفضي إلى إسقاط رئاسته، ما حدا به للاندفاع دون تبصر إلى مهاجمة فلاديمير بوتين واتخاذ النهج المتشدد بشأن السياسة الخارجية، وذلك بهدف نفي الشبهة عن نفسه، وليؤكد عدم وجود صداقة تربطه مع الروس، اعتقاداً منه أن خروجه من معاهدة نزع الصورايخ تثبت أن ليس له أي علاقة مع روسيا وتعطي أيضاً انطباعاً أن ليس لديه الرغبة في الانخراط معها حتى في القضايا الدبلوماسية التي تنعكس إيجاباً على العالم بأسره، وفي هذا الحال، فإن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، وبذلك فإن الانسحاب من الاتفاقية هدفه خلق مسافة بين البيت الأبيض والكرملين.
عندما يعلق ترامب الاتفاقية الخاصة بالأسلحة النووية فإنه في ذلك يجعل العالم أجمع في خطر محدق، ففي الحين الذي تدعي به الولايات المتحدة أن الخروج من المعاهدة سيفضي إلى زيادة قدرتها على ردع التهديد النووي الذي تشكله الصين، نجد أن إلغاء أي اتفاقية تتعلق بالأسلحة النووية سينظر إليه باعتباره أمراً إشكالياً يحمل في طياته رسائل خاطئة عن إمكانية السيطرة على امتلاك السلاح النووي.
بيد أن الرئيس الأميركي لم يتفهم بشكل دقيق واقع السياسة النووية وما يمكن أن ينجم عن قراراته بشأنها وما تسفر عنه من زعزعة لاستقرار العالم أجمع، الأمر الذي يحدو بنا للإحجام عن مسايرته فيما ذهب إليه من توجهات قد تقود إلى نتائج لا تحمد عقباها.
بقلم: ميشيل بنتلي- The Independent

 

ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الأحد 3-2-2019
الرقم: 16900

 

 

 

 

 

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين