«يخلط بعض الناس بين النصوص الإبداعية والنصوص الأخرى، فلا يميزون قصيدة أو خاطرة أو فكرة من نص علمي أو تاريخي أو قانوني، عن جهل حيناً وللتدليس والتضليل أحياناً…».
بهذه الكلمات بدأ محاضرته الباحث محمد راتب حلاق في فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب تحت عنوان (النصوص المغلقة والنصوص المفتوحة – انضباط التفسير – مغامرة التأويل) سنورد بعضاً منها:
تناول النصوص الإبداعية التي تتصف بالغنى والثراء، وتلوح بحشد من المعاني الممكنة، فهي حمّالة أوجه، أي المعنى الذي انحاز إليه ورجّحه وتبنّاه من بين معانٍ ممكنة عديدة، بناءً على معرفته وخبرته والأيديولوجية التي يؤمن بها.
أما النصوص غير الإبداعية، كالنصوص التاريخية والقانونية.. فإنها تتصف بالدقة والتحديد والانضباط الدلالي، وفق مسطرة المعاجم، كما اتفق على ذلك المتكلمون باللغة التي كتبت بها تلك النصوص, وقننها علماء هذه اللغة في الكتب اللغوية المعتمدة، والتي تتخذ عادة كإطار مرجعي يتم الاحتكام إليه عند الحاجة, والنص من هذا النمط يكون عظيماً بقدر ما يكون محكماً وغير قابل للتأويل إذ لو احتمل النص القانوني، مثلاً، قراءات متعددة لدلّ ذلك على خلل فيه، وعلى ضعف في قدرات منشئه، ويؤدي إلى ضياع الحقوق وإرباك القضاة، ويترك مساحة لبراعة المحامين وقوة الأقوياء ليتلاعبوا بالألفاظ.
و النصوص الإبداعية تنفتح أمام التأويل، بحيث يكون لكل متلقٍ قراءته الخاصة، شرط أن تكون هذه القراءة مبررة ومسوّغة وممكنة لغوياً ومعرفياً…..
وأن اللغة في النصوص الإبداعية ليست مجرّد أداة حياديّة تحمل المعنى دون أن تلفت الانتباه إليها، وإنما جزء أساس من النص، ومن العبث أن يتم التعامل مع هذه النصوص وفق مسطرة المعجم فحسب، بل لابد من الانتباه إلى الانزياحات التي قام بها منتج النص لغايات جمالية محضة، بقصد جلب المتعة له أوّلاً، وللقارئ بعد ذلك.
وتناول بحديثه النصوص الإبداعية بأنها ليست صحيحة ولا خاطئة، وليست مصدراً للحقائق العلمية، ولا تشكل وثيقة معرفية أو قانونية أو تاريخية…..
وقد تكون قرينة ولكنها ليست وثيقة؛ وليتأكد القارئ من المعلومات التي وردت فيها عليه القيام بدراسة تاريخية تعتمد على السند والحجة ومقارنة الروايات التاريخية ببعضها… وهذه الدراسة، وكما هو واضح، تبحث في الأعيان والمحسوسات التي تقع خارج النص وخارج القارئ في آنٍ معاً، ولو كانت الحقيقة في الأذهان وليست في الأعيان في كل الحالات لبطلت المرجعيات، ولما وجد القضاة ما يحتكمون إليه ويحكمون بموجبه…
وما ينطبق على النصوص الإبداعية، إذن، لا يجوز أن نسحبه على سائر النصوص الأخرى (التي قد تكون صادقة أوكاذبة……)، ولا يمكن لمدّعٍ أن يفهم النص غير الإبداعي على هواه، دون دليل معرفي أو لغوي أو تاريخي. والمطالبة بالدليل والحجة والسند والقرائن في هذه الحالة ليس عيباً، بل قد يكون هو المطلوب لإثبات وجاهة رأي من الآراء..
أما الفرق بين التفسير والاجتهاد فالتفسير يقوم على المحاكمة العقلية وعلى استبدال بعض الكلمات بما يكافئها في الدلالة حسب مسطرة المعجم أما التأويل فقراءة شخصية للنص يحاول صاحبها أن يبرره بالقرائن والمعارف… التفسير قياس ومحاكمة عقلية أما التأويل فاجتهاد.
سلوى الديب
التاريخ: الاثنين 25-2-2019
رقم العدد : 16917
السابق