بين الشعر والترجمة, والعمل الوظيفي, ثمة حراك كبير لايتوقف, فالزمن ليس عابرا, ولا نحن عابرون كما تقول الشاعرة عواطف بركات, المهندسة الكهربائية والأم والشاعرة, واخيرا الدخول على عوالم الترجمة والفكر من اكثر الأبواب صعوبة وحاجة للتركيز لاسيما ماترجمته منذ فترة وجيزة حول الحداثة ومابعد الموت, أو بصورة أدق حداثة ما بعد الموت, وهو علم جديد في مدارس النقد والفلسفة وليس بالأمر الهين أن تلج فيه مترجما, ناهيك بالأمر انها شاعرة تعرف كيف ومتى تعمل على نصها الذي تتحفه تعبا وتكثيفا وقدرة على الابتكار, في جعبتها عشرات الدراسات المهمة, وفي المجموعات الشعرية معراج المنوليا الصادر منذ فترة وجيزة, وقد لاقى صدى طيبا لدى القراء ومن تابعه, وحوله سال حبر كثير, وعشرات اللقاءات التي عبرت فيها عما تكتنزه من طاقات إبداعية, ومما قالته ذات يوم في لقاء نشرته مجلة الأزمنة: إنها رجع الحياة أو تعبير كامل عما يتحرك ويتبدل بها وفق استعارات بيانية جاءت كلوحة فنية مشكلة بألوان عواطف المرأة فقالت في تعريفها.. «القصيدة موت يجلس مع الحب على طاولة واحدة.. يحتسيان القهوة معا..ويرحلان بعد قليل.. كل إلى غايته..القصيدة.. ذلك الحريق الذي ينشب في قلبي.. كلما صادفت صباحا يشبهك».
وفي تعبير اخر عن حلمها بانتهاء الحرب على سورية عبرت بركات عن رفضها للضغائن ولما تفعله المكائد والمؤامرات ضد الوطن دون أن تقع في متاهات الرمز وورطة الانزياح فقالت في نص بعنوان «لقاء في مقبرة» «كنت أحلم أن تنتهي الحرب..وأن تخرج من جسدي..آخر ضغينة».
كما تعبر بركات عن معاني الصداقة وكيف يجب أن تكون في الحياة محاولة أن تبني تواصلا إنسانيا بين نصها وبين المتلقي رغم الذاتية والوجدانية واضحة المعالم كما في نص «إلى صديقة».. «حين لم أعبر.. وقفت على باب غيمة.. خشيت وحيدة.. أن أدخل دونك وخفت أن تظن العيون المبحرة.. على متون القوافي.
وبعيدا عن أي معراج تكتب عواطف بركات قارئة هموم الأنثى:
حوار بناء مع المرآة !!
…..
شاخ بصري !!
من قراءة الأحجيات والاشعار السريالية
أعاني في عيني اليمنى من انحراف وتطرف
لكني اقنع نفسي دائما بأن لاشأن لي بالسياسة
وبالأحزاب اليمينية واليسارية
في عيني اليسرى مد واضح
أرى أبعد منك كل مرة
لذلك لانتفق.. كلما نظرنا سوية إلى مشهد شاعري
أنت تصفني بالجاهلة.. وأنا أصفك بالمستبد
وهكذا تنتهي أوقات الحب
بعينين مشوهتين.. ورؤى لاتفي بالغرض
أمام المرآة أقف لأختبر علاتي
جاراتي اللواتي
لايعرفن أن المرض العضال
يبدأ في القلب أولا
ينصحنني دائما باختبار كشف الورم
أتحسس روحي أمام المرآة..
لأكتشفك كل يوم
كل يوم.. تكبر هنا
وهناك في أنحاء جسدي
تتمدد كمزق لحمية..
وتغرق في شراييني كحجارة.. أمام المرآة
اكتشفك وأكتشف خطوط زمن
لاأقوى على عبورها إليك.. أكره المرايا
أنا.. لكني لأبدو امرأة عصرية
علي اقتناء مرآة كبيرة كبيرة
في حقيبتي.. أنظر فيها قبل دخول الشعر
لأرى كيف سأرمم غيابك.. فلا يتهمني النقاد
بالسوداوية.. ولايصفني القراء
بامرأة تحرض على اللاحب
نعم كما كتب عنها ذات يوم: أحيانا ترفل النصوص عند بركات بالعواطف الأنثوية التي تعكس مكنونات النساء في حالات الحب فتدخل حالة الرمز على شكل دلالات خجلة فتقول في نصها «شبيه بالطائر».. «شبيه بطائر الخريف.. حزين كحزني.. فوضوي كالحرب..لاذع كالحب.. شغوف بالزبد.. مرهق كصعود على ثقب المحال..وله صدى يملأ أفنان الانتظار.. بالمواعيد».
لقد تجاوزت عواطف مجموعتها السابقة في كل ما أنجزته وهي تمضي لبناء نص يعبر بكثافة اللغة والصورة وحداثة ما تتابعه من فلسفة تبحث في كنه الحياة وسرها, ولا يمكن أن يكون للترجمة التي توجهت إليها مؤخرا إلا زاد النبض في اللغة الشاعرة التي تشحنها بدفق الحياة وكأنها كهرباء الروح والابداع.
دائرة الثقافة
التاريخ: الاثنين 25-2-2019
رقم العدد : 16917