تتجه الفنانة التشكيلية هالة مهايني، في لوحات معرضها الذي أقامته، في المركز الوطني للفنون البصرية، لتمتين علاقة لوحاتها بإيقاعات النغم الموسيقي البصري، المقروء في إيقاعات وحركات ألوانها العفوية التي تختصر أجواء المنظر إلى أبعد حد، وتبقي فقط على إشاراته الدالة عليه، وعلى المناخات اللونية المحلية والعلاقات التشكيلية التلقائية، في حركاتها المتنوعة والمتدرجة بين الوهج والتعتيم للوصول إلى مايثير الجدل والنقاش في أوساط المتابعين والمهتمين والفنانين. وتأثيرات اللون المحلي تأتي من اهتمامها باستعادة مواضيع الطبيعة، ولاسيما الأشجار، والبيوت المتجاورة بكثافة في مدينتها دمشق، والأضواء التي تتخللها أو تحيط بها.
تقديماتقدم للمعرض الفنان الرائد غياث الأخرس بكلمة نشرت في دليل المعرض وجاء فيها: «الفن عند هالة هو اختصار المرئي بالمعنى المادي للطبيعة, كما أن رؤيتها للمنظر أو للطبيعة تختلف في اعمال هدا المعرض من حالة إلى أخرى، وهذا ان دل فهو يشيرالى الحالة النفسية الصادقة..».
وكتب الناقد والإعلامي سعد القاسم يقول: «ينطلق أسلوب هالة مهايني من الواقع نحو التجريد، فيمنحها إمكانية التخلي عن وفرة من تفاصيل لاحاجة تشكيلية لها، وقدرة على خلق عالم لوني مترف في غناه وجماله..».
وفي كلمتها قالت هالة مهايني: «معظم أعمال المعرض نفدت في العام 2018.. أعيد صياغة الطبيعة والأبنية والأشجار والصخور فتتحول إلى بقع لونية تتخللها ظلال، ان الغاء التفاصيل في العمل ليس الطريق نحو التجريد, لكنه خطوة نحو تكثيف المعنى والتركيز على الجوهر..».
وبدوري أقول: إن اتجاه هالة لاختصار عناصر المنظر ومشهد المدينة، جاء بعد سنوات طويلة من البحث التشكيلي والتقني، الذي تركز في مراحل سابقة على اللوحة المائية والسطوح الورقية، قبل أن تدخل مجال اختبار مواد أخرى، لاستيحاء تنويعات النغم الموسيقي في خطوات الوصول إلى اللوحة – النوتة، وإيجاد معادلة جمالية بين اللغة البصرية واللغة السمعية, وتبدو في لوحاتها الجديدة، أكثر اقتراباً من مظاهر الدمج بين التعبيرية والتجريدية، لأنها حتى الآن ترفض الدخول في عوالم التجريد المطلق والكلي. وتريد الإبقاء على روح المشهد، في خطوات تفاعلها مع أزمنة وأمكنة محلية، ومؤثرات لونية وضوئية مختلفة ومتنوعة، على الأقل في تأويلاتها الثقافية، والتي تؤكد فيها بقاءها في إطار موضوعات البيوت المتراصة في المرتفعات والطبيعة والأشجار والصخور والظلال.
بين الحضور والغياب
وعلى هذا تشكل لوحات معرضها (قياسات مختلفة) مدخلاً لالتماس جوهر العلاقة الجدلية المتبادلة والمتداخلة بين الحضور والغياب, إلا أن البقع اللونية المتراقصة، والذي نجده في لوحات الأحبار، يتواصل في لوحاتها الزيتية، ولكن بطريقة أخرى تفرضها طبيعة المادة، وكل ذلك يوصل المشاهد الى دلالات وايحاءات الموسيقا البصرية، أي الموسيقا المقروءة بالعين، والتي تحددها فروقات لونية وخطية شديدة الحساسية، وهذه الحساسية تتعمق، من خلال تربيتها على الرؤية السليمة, وأي قراءة نقدية لاتحقق هواجس التواصل مع القراءة التحليلية والنقدية الصحيحة، ستؤدي الى مزيد من الخلل والالتباس، في تحديد آفاق العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين التشكيل والموسيقا.
والاستمتاع لموسيقا لوحة هالة، يأتي عن طريق جملة من المعطيات الحسية البصرية للحن اللوني والخطي, القادمة من تفاعل العين مع الأنماط الخاصة من الخطوط, وأشباه الدوائر والمنحنيات, وإصباغ الألوان الحادة والهادئة وتدرجاتها والضوء والظل والتكوينات المنظورة والخفية المقروءة في لوحاتها، كل ذلك يلعب دوره الحيوي في تحديد أنماط القطع الموسيقية التشكيلية المسموعة بالعين.
ولاشك في أنها تعمل لإيجاد علاقة خاصة بين اللمسة والأخرى للوصول إلى لوحة تشكيلية حديثة تحقق مظاهر الحداثة التشكيلية، فهي تغوص في التلخيص والتبسيط والتحوير باحثة في حركات اللون وإيقاعات المساحات، فتتحول الأشكال (البيوت والجبال والعناصر النباتية والأشجار..) إلى اختصارات تتألق فيها الأضواء والألوان المحلية القادمة من مخزون ذاكرتها البصرية.
تحولات التجربة
كما أن تشعبات البحث التشكيلي والتقني القادمة من استخدامات لونية متنوعة في تقنياتها (أحبار ملونة، مائي،, زيتي، وغيرها) لاتقع في هاوية العبث والركاكة الموسيقية، لأنها مهما انفعلت مع ألوانها فهي تبقى محكومة بحساسيتها البصرية والروحية العالية التي اكتسبتها على مدى عقود. وهذا ماحققته في لوحاتها، حين استعادت الأجواء اللونية المرتبطة بجوهر ثقافة فنون العصر, التي لازمت نهضة فنوننا الحديثة منذ نهاية الأربعينات.
ومن أجل الوصول إلى حالة متداخلة بين المرئي والمحسوس، وبين البصري والسمعي، تعتمد هالة على مبدأ الرسم التلقائي والعفوي، من خلال الانحياز نحو الاختصار والتبسيط والاختزال، فمشهد البيوت والطبيعة على سبيل المثال يتحول من حالة إلى حالة، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة التعبيرية. وهذا يعمل عن تصعيد ميزة الشفافية في المائيات، والكثافة في الزيتيات,حيث تدمج وتوازن في أحيان كثيرة ما بين إشارات المظهر التعبيري، وحركات اللمسات اللونية العفوية, التي تأتي بضربات متداخلة ومتجاورة ومتراكمة فوق بعضها البعض.
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum
التاريخ: الاثنين 25-2-2019
رقم العدد : 16917

السابق