لم يكن هناك ضرورة على الإطلاق لينفي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد، ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال، حول نية الجيش الأمريكي إبقاء نحو ألف جندي من قواته المحتلة في سورية، فهذا الكلام مردود عليه، وعلى بلاده أولاً وأخيراً، فهم مهزومون مدحورون، وعن الأراضي السورية سيُرَحَلون إن لم يكن بمشيئتهم، فرغم أنوفهم.
والسؤال هو: من منا لا يبصم بالعشرة بأن ترامب دون منازع أو منافس، يتربع على عرش الإفك والنفاق، وبأن كلامه مجرد كلام، لا يقدم ولا يؤخر، بل إنه لا يغدو عن كونه مناورة ليس إلا، لتحصيل ما أمكن من سورية، إن لم يكن عبر الأوراق الميدانية، ولغة الأنفاق والجحور والمفخخات، فبلغة الدبلوماسية التي على ما يبدو ما هي لسمسار الدم الأمريكي، سوى حمالة أوجه تحمل الشيء ونقيضه على السواء.
ترامب وتحديداً في 19 كانون الأول 2018، أعلن أنه بصدد سحب قوات بلاده وقوامها ألفا عسكري من سورية، ومسوغاته كانت آنذاك ما صوره له خياله المريض بأنه الانتصار على تنظيم (داعش) الإرهابي، الذي هو أساساً منتجه الاستخباراتي، لكن دون تحديد جدول زمني لذلك، ثم تدخل البيت الأبيض على خط التصريحات الساخن مباشرة، ليترك الباب موارباً وأمواج التحليلات السياسية بين مد وجزر، لا يعرف رأسه من قدميه، وأكد في 22 شباط بأنه سيتم إبقاء قوة أمريكية صغيرة قوامها 200 جندي تقريباً، ولفترة من الوقت عقب الانسحاب، بحجة ما ادعى أنه (لحفظ السلام) الذي لن يتحقق بالمطلق، طالما المحتل الأمريكي يقصف المدنيين ويقتلهم بالعشرات بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً، وطالما مرتزقته من (قسد)، وأدواته الإرهابية الداعشية تصول وتجول بالمنطقة، وترهب الآمنين وتجبرهم على دفع الآتاوات، ثم عاد ترامب، بعد أيام من قراره هذا، إلى القول إنه يعتزم الإبقاء على 400 جندي، مقسمين بين ما سماه المنطقة الآمنة المزعومة، وبين قاعدة الاحتلال الأمريكية في التنف، وكأن الرجل مصاب بزهايمر سياسي، أو أنه يتخذ قراراته وهو في حالة من الثمالة، وكأن تصريحات سُكره الليلية يمحوها نهار دسائسه البنتاغونية.
ترامب وثلته يحاولون التذاكي علينا، بينما الواقع يؤكد أنهم وحدهم من يقع في متاهة الغباء اللا متناهي، فسواء قال سنبقي ألف جندي، أو 400 أو 200 أو 10 أو جندياً واحداً حتى، فإنه يتناسى بأن هذه الأراضي سورية، وبأن عمليات بواسل الجيش العربي السوري لن تستثني شبراً من الجغرافيا السورية، وبأن المسألة مسألة وقت، وعليه فإن كل المناطق ستعود إلى حضن الوطن، إن لم يكن بالتسويات، فبالبندقية السورية التي لم ولن تخطئ وجهتها على الإطلاق.
نافذة على حدث
ريم صالح
التاريخ: الأربعاء 20-3-2019
رقم العدد : 16936
السابق