ربما تشهد قادمات الأيام تزايداً ملحوظاً في الحماقات التي تسوقها إدارة ترامب حيال إيران، ولا سيما في ضوء ما ترامى إلينا من خطط ومقترحات أوصى بها بومبيو ومسؤولون آخرون في البيت الأبيض، الأمر الذي يجعلنا نتوقع أن تعمد الخارجية الأميركية إلى وصم الحرس الثوري بالمنظمة الإرهابية.
وللمرة الأولى تُطلق صفة الإرهاب على وحدات عسكرية تابعة لدولة أخرى، وإزاء ذلك رأى العديد من المسؤولين الأميركيين أن إقرار مثل هذا الإجراء سيعرّض القوات العسكرية الأميركية وضباط الاستخبارات لخطر إجراءات مماثلة من قبل حكومات خارجية أخرى.
وربما نشهد في المستقبل القريب أيضاً إعداد خطط وقرارات لوصم فيالق في الجيش العراقي بصفة الإرهاب واعتبارها منظمات إرهابية خارجية.
وفي هذا السياق، فإن القوات العسكرية المدربة من قبل إيران (التي تحظى بتأييد المسؤولين العراقيين) قد تتعرض للعقوبات الاقتصادية وفرض قيود على السفر.
ويبدو أن ما تعدّه الإدارة الأميركية من خطط وقرارات سيفضي تطبيقها إلى تصعيد في حدة التوترات مع إيران، وتراجع في العلاقات مع الحكومة العراقية، ذلك لأن إطلاق مثل تلك التسمية على الحرس الثوري الإيراني والقوات العراقية ستثير حفيظة تلك القوات، ما يدفعها للقيام بهجوم مماثل على القوات العسكرية الأميركية، وهنا ننوه إلى أن مقترحات سابقة لإطلاق تلك التسمية على الحرس الثوري قد شجعت بعض المسؤولين في إيران لإطلاق تهديدات مقابل التهديدات الأميركية، وبذلك فإن هذه الصفة قد توفّر ذريعة مناسبة للإدارة الأميركية في إطلاق أعمالها العدائية ضد إيران.
وهنا نستذكر بأن تلك الفكرة طرحت لأول مرة قبل ما يناهز العشر سنوات إذ أبدى باراك أوباما الذي كان في حينها سيناتوراً معارضة تامة لها نظراً لما تنطوي عليه من تبرير لشن هجوم على إيران، الأمر الذي لا جدوى من السير به، فضلاً عمّا ينجم من مخاطر وما تعطيه من مؤشر على إفلاس سياسة الإدارة الأميركية حيال إيران.
ولا ريب بأن المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين سيكتنفهم الحذر والحيطة إزاء وصم جهة تابعة لمؤسسة عسكرية في دولة أخرى بالإرهاب، لذلك شهدنا العديد من مسؤولي البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية- الذي تسلم بومبيو إدارته في السنة الأولى من ولاية ترامب – يحذّرون من تسمية الحرس الثوري الإيراني أو فصائل عراقية بالمجموعات الإرهابية، تحسّباً وخشية من ردّة فعل تطول القوات الأميركية.
تزامنت اقتراحات بومبيو المتعلقة باتخاذ اجراءات عقابية بحق الحرس الثوري الإيراني وفيالق من الجيش العراقي مع الزيارة الناجحة التي قام بها روحاني إلى العراق ولقائه غير المسبوق مع اية الله علي السيستاني الأمر الذي يظهر على نحو جلي عدم اكتراث السياسة العراقية بما تبديه وزارة الخارجية الأميركية من آراء وتوجهات، إذ شهدنا في الآونة الأخيرة تزايداً في المعارضة للوجود العسكري الأميركي في البلد، ويبدو أن تلك المعارضة ستتزايد باطراد في ضوء مقترحات التسمية الجديدة للفصائل والمسؤولين العراقيين.
تناهض الحكومة العراقية ما تبذله الإدارة الأميركية من مساعٍ لإرغامها على الانضمام لحملة ممارسة الضغوط على إيران، أما في الأحوال التي تعمد بها الولايات المتحدة إلى فرض العقوبات على الفصائل العسكرية العراقية والمسؤولين المرتبطين بها، فلا شك بأن ذلك سيفضي إلى رفض الحكومة العراقية التعاون مع واشنطن في شتى المجالات.
وبذلك، فإن الهوس الأميركي حيال إيران سينعكس سلباً على كل النواحي، وقد شهدنا في الأشهر المنصرمة توتراً في العلاقات الأميركية مع الحكومة العراقية.
لا شك بأن إطلاق صفة الإرهاب على منظمة عسكرية عراقية سيمثل عقبة أمام واشنطن في مساعيها الرامية للتوصل إلى دعم دولي لحملة «الضغوط» التي تزمع القيام بها على طهران، لذلك لم تدخر الولايات المتحدة جهداً إلا وبذلته لدعوة الحكومات الأخرى للتعاون معها ضد إيران.
وبدلاً من أن تقوم الولايات المتحدة على تقديم الحوافز لتشجيع الدول على مؤازرتها، نجدها تطلق التهديد والوعيد وتفرض الغرامات المالية، الأمر الذي قاد بالحكومات الأخرى إلى البحث عن إيجاد حلول وأطر عمل لزيادة التعاون مع إيران بدلاً من القبول باملاءات الإدارة الأميركية.
لقد دأبت الولايات المتحدة على قيادة حلفائها وأتباعها وفقاً للأسلوب والنهج الذي ترغب به، لكنهم في هذه المرة لم يعيروها اهتماماً، الأمر الذي قاد إلى تراجع في علاقات الإدارة مع حلفائها وأتباعها نتيجة لمطالبها غير المقبولة، لدرجة أن إنذاراتها الأخيرة قوبلت برفض قاطع من الدول التي لم تعتد على تفضيل المصالح الأميركية على مصالحها.
ترجمة: ليندا سكوتي
بقلم: دانييل لارسون
The American Conservative
التاريخ: الجمعة 22-3-2019
رقم العدد : 16938