«جدل» في الفكر والحداثة والفن

الملحق الثقافي:

 افتتاح 

يبشرنا أيمن غزالي من الصفحات الأولى، في افتتاحيته للعدد الجديد من مجلة «جدل» التي يديرها، بأن إصدار هذه المجلة «محاولة انتحار في مجتمع لا يقرأ ولا يكتب، وفي عالم لم يعد الكتاب أو الثقافة فيه هما مصدراً للحضارة والقيم». 
ولأنني أدرك هذا الكلام، وأوافقه على تقييم هذه المحاولة، فقد وافقته أيضاً على هذه الطريقة الرائعة في الانتحار، الطريقة المثلى لتفكيك البنى التقليدية وإحلال بنى تدخل في النسيج الاجتماعي ولتتحول فيما بعد إلى تيارات توعية تساهم في بناء الحراك الثقافي العام للمجتمع؛ كما يقول هو في افتتاحيته. 
الحداثة وما بعدها 
بعد الافتتاحية يطل ملف بصري للفوتوغرافي حسين صوفان بعنوان «جرائم الشرف» وتضمن أربع صور ملفتة ومعبرة. ثم يأتي ملف «أسئلة الحداثة.. أسئلة ما بعد الحداثة»، ويضم مقالات لعدد من الكتاب أولهم إيهاب حسن تحت عنوان «سيرة عصر عصي على التصنيف». ويقول إيهاب حسن: «الحداثة هي العائد بعد غياب طويل، الذي يتعذر كبته، فكلما تخلصنا منه ينهض ثانية كالشبح. ومثل شبح، تتملص من التعريف… المصطلح وليس المفهوم، يمكن أن ينتمي إلى ما يسميه الفلاسفة صنفاً خلافياً في جوهره. أي بلغة أكثر تبسيطاً لو وضعت في غرفة المناقشين الرئيسين للمفهوم ولنقل «ليزلي فيدلر وتشارلز جينكينز وجاك فرانسوا ليوتار وبيرنارد سميث وروزاليند كراوس وفريدريك جيمسون وماريجوري بيرلوف وليندا هتشيون» وأغلقت الغرفة بنفسي ورميت مفتاحها بعيداً، فلن يظهر إجماع بين المتناقشين بعد أسبوع، وسيظهر بدلاً منه خيط رفيع من الدم تحت عتبة الباب». 
والمقال الثاني في الملف كان بعنوان «محاولات تفكيك الانسداد التاريخي للعقل الثقافي» للكاتب علي حسن الفواز. وشارك إبراهيم محمود بمقال بعنوان «بلاغة الفراغ في سياق ما بعد حداثي» ويقول: «الفراغ هو أساس الأنطولوجيا التاوية. فما كان قبل السماء – الأرض هو العدم، اللاشيء، الفراغ… ويكون عكسه الامتلاء، وفي الفراغ يكون المعنى، يكون مجال الرؤية والذهاب بالتفكير بعيداً في تخيل العالم، وتصور الكائن، وبتعبير لاوتزو التاوي المعبر عن الفراغ وقدسيته بالذات: لا تعيش العشرة آلاف إلا مدموجة في الحركة الكبرى التي يقوم بها الفراغ الذي يدخلها. تجويف السماء – الأرض يستقبل الحياة، إنها العقدة الحيوية، المركز الحي، مكان تشكل السيولة، مكان التبادلات». 
وتنهي سوسن الحلبي الملف بمقال «عمارة ما بعد الحداثة.. قلق الحضور وهاجس الهوية». 
اللون الموسيقي 
في باب فنون يكتب التشكيلي أسعد عرابي «كوكب الوجد أم كلثوم.. الصراع بين التربية الصوفية والوثبة النهضوية» وهو مقال عن تجربته التشكيلية التي قام بها في مصر ورسم لوحات لأم كلثوم والفرقة التي رافقتها. وقد كتب أسعد عرابي هذا النص محاولاً إسقاط الضوء على مسوغات اختياره الموضوع. ويقول: «لا شك بأنني لست أول من استلهم هذا الموضوع. تتقاسم أحانين ذاكرته الموسيقية الحنجرة الذهبية لأم كلثوم وألحان عود السنباطي. تعتمد أبدية هذا التوأم الروحي على تحالفهما الذوقي إلى جانب التزام الثالث الشاعر أحمد رامي. وهو ما يجعل من الكلمة واللحن والصوت لحمة قلبية متوحدة. وما زالت باقية بعد ما يقرب من أربعة عقود على وفاتها». 
ويكرس خليل صويلح باب «بورتريه» للمخرج محمد ملص، فيما يكتب نبيل اللو مقالاً بعنوان «عود وعوّاد وسمّيعة» في باب «جدليات». 
مفهوم الثقافة
يتضمن العدد مجموعة من الدراسات تتقدمها دراسة لفيصل دراج بعنوان «البطل المنتصر بين أسطورة الحق وأسطورة التقدم»، وهو يعقد مقارنة بين جبار إبراهيم جبرا وحنا مينه، مستعرضاً أفكار الاثنين في رواياتهما، وتقاسمهما ثلاث مقولات أيديولوجية: الصراع بين الخير والشر، والبطل الذي ينصر الخير وينصره الخير، والمستقبل كزمن للخلاص أو كزمن خلاصي. 
والدراسة الثانية كانت لياسين النصير تحت عنوان «جدلية العلاقة بين الثقافة والديمقراطية» وفيها يتحدث النصير عن مفهوم الثقافة باعتبارها نتاج المجتمع عامة، وجزءاً من البنية التحتية لأي مجتمع وهي «ذلك المكون الأنثروبولوجي العريق الكامن في خصائص الفرد والمجتمع، هي علم الإناسة بجوانبها الكونية المتعددة. فالثقافة وليدة الناس العاديين في حياتهم وتقاليدهم ومشكلاتهم وغذائهم وأزيائهم وفي طرق عملهم وتنظيم العلاقة مع الآخرين. هي أعراف وخلق رموز وتبني سلوك وإنتاج معارف متراكمة من حولهم، هي بنى متداخلة من فروع المعرفة والإنتاجية الأخرى، هي مكون متداخل ومركب وليست بنية أحادية، وما الكتابة الإبداعية إلا شعيرة جزئية من مكوناتها… عبثاً نخرج الثقافة من أرضيتها العميقة تلك ونجعل منها بنية فوقية مرتبطة بأفراد مميزين وبحالة اقتصادية معينة متحركة». 
وحسب النصر، تتكون الثقافة من ثلاثة مكونات أساسية هي: المكون الأنثروبولوجي، وهو ما يرتبط بعلوم الإناسة وميدانه الإنسان. والثاني هو المكون التنظيمي، وهو ما يرتبط بتحديث المجتمع وفق آلية تطور متحركة، وميدانه المدينة الحديثة. والمكون الثالث هو المكون الإبداعي، وهو ما يختص بالإنتاج الثقافي للمبدعين من كتاب وفنانين وفلاسفة ومفكرين، وميدانه تنظيم العقل وربط الإنتاج الإبداعي بعملية التطور والحداثة. 
ويشير كوبر وكوكهورن إلى أن للثقافة أكثر من مائة وستة وأربعين تعريفاً، لذا فإن أي تعريف جديد يضاف إليها لا يمكن أن يكون بديلاً عن التعاريف الأخرى. وهذا التشعب مصدره واحد، هو أن الثقافة مفهوم متغير يكتسب قيمته من البحوث التي ترافقه وكلما اكتشفت بقع ثقافية أضفت على الثقافة مفاهيم جديدة. وسوف لن تقف مفاهيمها ما دامت قد ارتبطت بالحداثة وما بعد الحداثة. 
القراءة
«الشعر الحديث بين فضاء الخلق وإبداع التلقي» هو عنوان دراسة منذر العياشي. وهنا يتحدث عياشي عن أنه لا توجد شرعية حقيقية لأحد في أبوّة النص، كما لا توجد وصاية فعلية لأحد على النص سوى القراءة التي أبدعته من ظهر نصوص كثيرة، وخلقته من رحم لغات كثيرة، وإن كان هذا النص منسوباً في أوراق الثقافة وشهادة الميلاد إلى شخص معين. «إن كل نص، في أية ثقافة من الثقافات، هو نص ثان لآباء مجهولين تستحضرهم القراءة لحظة إنشائه وتكوينه ولحظة ميلاده وتسجيله، لا بأعيانهم وذواتهم، وإنما بنثار آثارهم المبثوثة في ل نصوص الثقافة أو المتداخلة معها والمتحولة بها». 
«تشكلات العقل الثقافي والعقل الأدبي» هي دراسة لمحمد صابر عبيد، يتحدث فيها عن فن التفكير وإشكالية العملية الإبداعية. ويقول: «فن التفكير هو صورة التفكير الخلاق، ولا يتحصل هذا النوع من التفكير إلا في ظل حصانة معرفية لجملة من الشروط الواجبة بتناميها التركيبي القائم على الالتحام والاستمرار والتجانس». ويرى عبيد أن العقل العربي تعرض لمزيد من التحليل والتفكيك والنقد وتم اتهامه بأنه عاجز واتكالي وسلبي، لأنه ينهض على أسس بنائية هشة، لا تأخذ بأسباب الحضارة الحديثة ومقولاتها الفكرية والفلسفية المتقدمة. وفي تعريفه للقراءة يقول عبيد: «القراءة في أولى صورها تحريض منطقة معينة من مناطق الجسد على جلب المتعة، بقيام الفاعل البصري بالمرور على المحفور الذي يتركه سواد الكتابة على بياض الورقة، وتعبئة الذهن بطاقة تنظيم هذه الفعالية وترسيبها في مشهده وإضافتها إلى مكنزه الخبروي». 
حوار
وفي باب «حوار» يجري أيمن الغزالي حواراً مع خزعل الماجدي، وهو المختص بالأساطير والأديان، وله كتب عديدة حول تاريخ الأديان. ويعتمد الماجدي في كتبه على المنهج العلمي الصارم والمعطيات الأركيولوجية، ويحللها بناء على حقائق يجدها فيها. 
يحتوي العدد على باب «أمكنة» وفيه مادتان واحد لنعيم مهلهل حول طنجة، والأخرى لمحمد سعيد الطريحي بعنوان «الرحلة المصرية إلى البلاد السويدية». واختتم العدد بفصل من رواية «دعابة لا تنتهي» لديفيد فوستر والاس وترجمة أدهم وهيب مطر، والتي ستصدر قريباً عن دار نينوى للدراسات والنشر. 
 التاريخ: الثلاثاء2-4-2019

رقم العدد : 16946

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص