الســل من جديد.. بعـــــــد ارتــــــــداده إلــــــــى الصفــــــوف الخلفيـــــــة بفضـــــــل اللقاحـــــــــات والأدويـــــــــــة الحديثــــــــة.. يعــود ليكــون مــن الأسـباب العشـرة الأولــى للوفيــات عالميــاً.. وزارة الصحة: رفع مستوى الوعي بعوارض

شهدت الأسابيع الأخيرة احتفالات مكثفة باليوم العالمي لمكافحة السل وأقيمت فعاليات عرضت أسبابه ونتائجه وآليات مكافحته، وإمكانية الشفاء منه، في ظل توافر لقاحاته والأدوية الحديثة المستخدمة في العلاج، إلا أنه كان مستغربا ما يقال ضمن هذه الأوساط الطبية عن عودته واعتباره من بين الأمراض العشرة الأولى المسببة للموت على المستوى العالمي.
كشفت برامج المكافحة درجة تعند السل كمرض خدّاع لم تنكسر شوكته على مستوى العالم ولا على المستوى المحلي، خاصة أنه لايزال من أشد الأمراض فتكا، بحسب الصحة العالمية، ويحصد سنويا 4500 شخص ويوقع في الإصابة حوالي 30 ألف شخص آخرين، ففي عام 2017 وحده أصيب عشرة ملايين شخص بعصية كوخ كإحصائية عالمية، منهم 1 مليون طفل مصاب، وشكلت نسبة الوفيات 1.6%، وفي عام 2016 كان هناك حوالي 600 ألف إصابة بالسل المقاوم والذي يشكل الأخطر بالنسبة لهذا المرض.
الوضع المحلي
لسنا بمنأى عما تقدم.. فقد أكدت مديرة الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة الدكتورة هزار فرعون: على ضرورة رفع مستوى وعي الجمهور بالعوارض الصحية والاجتماعية والاقتصادية المدمرة المترتبة على وباء السل وتعزيز الجهود المبذولة من أجل إنهائه. مشيرة إلى مراحل الكفاح التي بدأت في سورية لدحر السل، فمنذ عام 1940 وحتى 1990 كان مرضى السل في سورية يعالجون في مراكز خاصة، ومع بداية التسعينات وجدت المراكز الحكومية حيث وضعت وزارة الصحة مكافحة مرض السل من ضمن الأولويات الصحية وقامت بمسح تحليلي لواقع المرض استطاعت من خلاله التدخل الايجابي ومعرفة الوضع الإقليمي، وبناء عليه تم اعتماد البرنامج الوطني لمكافحة السل في عام 1994 من ضمن البرامج الصحية في الوزارة، وفي عام 1998 تم الإشراف المباشر على إعطاء العلاج لكل مريض سل حتى الشفاء الأمثل، وفي عام 2006 وصلنا إلى نجاح 90% في برنامج التدخل.
والواقع الإحصائي
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فمن خلال تحليل الإصابات الجديدة لمرضى السل ودراسة الواقع الإحصائي ما بين عامي 2010 و2017 وفقا لإحصائيات وزارة الصحة، نرى أنه في عام 2010 كان لدينا 3820 إصابة سل جديدة على مستوى القطر، وفي عام 2011 كان العدد 3570 وهذه الأعداد انخفضت في عام 2013 إلى 2800 إصابة وذلك بسبب خروج بعض الأماكن عن السيطرة، حيث كان الإرهابيون يمنعون المرضى من العلاج، وفي عام 2014 أيضا انخفض إلى 2076 إصابة، وصولا إلى عام 2017 حيث كانت الإصابات 2845 إصابة، وتم تسجيل ما يزيد عن 3000 إصابة جديدة بالسل عام 2018 على مستوى المحافظات ككل، وقد أظهرت الدراسات: أن دمشق وحلب تأخذ النصيب الأكبر في الإصابات بالسل، وتسجل حلب حوالي 30% من الإصابات في سورية، ليأتي بعدها ريف دمشق، وبحسب الجنس نلاحظ توزع الإصابات بين الذكور أكثر من الإناث. وأن نسبة وفيات السل عام 2016 هي 56 شخصاً من أصل 3190 إصابة أي بما يعادل 1.7 وهي نسبة وفيات ليست مرتفعة ولكن يمكن الاستدلال بها.
استراتيجية دحر السل
من الواضح أن الأصعب بموضوع السل هو السل المقاوم الذي يشكل تحديا كبيرا في برنامج المكافحة، حيث يصبح المريض مصدرا للعدوى ويتأخر في علاجه. وقد بينت الدكتورة فرعون: أن نسبة نجاح المعالجة في سورية وصلت حتى 87% خلال عام 2016 مع الاستمرار بالسياسة نفسها والاهتمام بالمناطق عالية الخطورة والوصول إلى المرضى أينما كانوا, مشيرة إلى أن برنامج مكافحة السل في سورية يعمل وفقا لاستراتيجية محلية وخطة وطنية شاملة، ضمن أهداف عامة بالوصول إلى مجتمع خال من السل.. فهو يقوم على أسس عدة أهمها الكشف المبكر عن حالات السل المقاوم لتتم معالجتها بشكل مبكر، وتطوير الخطة العلاجية لمرضى السل العادي في المرحلة المكثفة، من خلال إجراء تحاليل مستمرة لمعرفة انقلاب القشع من إيجابي إلى سلبي، وتشخيص حالات السل المقاوم بشكل مبكر، لتبدأ مرحلة العلاج الجديدة.
كما أن البرنامج يسعى إلى استهداف كل الفئات التي تتعامل بشكل مباشر مع المرضى، وإقامة دورات تدريبية لهم, في حين تركز الأهداف الفرعية للبرنامج, على تخفيض عدد الوفيات حتى عام 2020 الناجمة عن السل بنسبة 75% مقارنة مع عام 2015 مع وضع نقطة علام تمكن من الوصول إلى الهدف وتخفيض نسبة الإصابة بنسبة 50% أي الوصول إلى أقل من 55 حالة إصابة لكل من 10000 نسمة من سورية، كما تتضمن الأهداف من عام 2030 حتى عام 2035 تخفيض عدد الوفيات بنسبة 95% الأمر الذي يستوجب تخفيض معدل الإصابة بالسل بحوالي 90% لنصل إلى أقل من عشر إصابات لكل 10000 نسمة.
قابل للشفاء
تبين منظمة الصحة العالمية أن مرض السل يمكن الوقاية والعلاج منه حيث أفضت الجهود العالمية إلى إنقاذ عدد يقدر 4 ملايين شخص منذ عام 2000 وتخفيض نسبة الوفيات إلى 42% وذكرت فرعون: أن علاج السل في سورية يعتمد على برامج معالجة قصيرة الأمد تحت الإشراف المباشر، تشمل العلاج الكيميائي كطريقة جديدة في علاج المرض تعتمد على الدعم الحكومي وتوفير الأدوية اللازمة للعلاج والمراقبة بصورة مباشرة وتقييم النتائج دوريا، لتعزيز خدمات الوقاية وتدعيم جوانب المساءلة وتضمين توفير التمويل الكافي والمستدام لأغرض البحث وإنهاء التمييز الخاص بالمرضى وكذلك تعزيز الاستجابة للسل على نحو منصف وقائم على حقوق الإنسان، بما يتوافق مع شعار اليوم العالمي للسل لعام 2019 (لقد حان الوقت) ومع الأهداف العالمية بأن تكون سورية خالية منه عام 2030.
طرق العلاج متوفرة
تحدث أطباء من وزارة الصحة عن أسباب ساعدت بشكل كبير على عودة انتشار السل وأهمها ارتفاع نسبة المدخنين وانتشار الأركيلة وخاصة بين شريحة الشباب، بالإضافة لكونه أصبح من الأمراض التي تنتقل بسرعة بين الناس نظرا لفرصة انتقاله عن طريق التنفس القريب، وقد تفاقم خطره مع تفاقم خطر الإيدز نتيجة ضعف المناعة، وهناك أعراض كثيرة للسل ولكن لا يشترط أن تظهر على المريض لكونها تتشابه مع أعراض أمراض أخرى، كما أن هناك أنواعاً كثيرة من السل والأكثر انتشاراً هو السل الرئوي، فالسل يصيب كل أجزاء الجسم (العظام، الكلى، المثانة، والمعدة) وغيرها من أعضاء الجسم، وأعراضه لا تظهر عند الجميع.
بالمقابل نوهت مديرة الأمراض السارية والمزمنة أن فترة العلاج لا تزيد على 6 أشهر، وهو يقدم في سورية بشكل مجاني بكل مراحله، حيث تتوفر طرق العلاج في المستشفيات والمراكز الصحية الموزعة في جميع المحافظات. إذ يوجد في سورية 14 مركزا تخصصيا، وفي كل مركز يوجد مختبر لفحص القشع ومختص لتقديم العلاج، وفقا لنظام يساعد المريض على متابعة علاجه في منطقته، فبعد الفحص في المركز المرجعي يحول المصاب إلى أقرب مركز صحي لسكنه. مبينة أن عدد المراكز الصحية في سورية كان 1796 مركزا قبل الحرب ولكن بعد التخريب والتدمير الذي قامت به العصابات الإرهابية نزل العدد إلى 641 في عام 2018 كما نزل عدد المراكز المتخصصة إلى عشرة مراكز.
علاج ومساعدات مالية
لا يكفي أن يكون كفاحنا ضد مرض السل حكوميا فقط فإذا كنا نريد تحسين الواقع الصحي فهذا يتطلب تعاوناً بين جميع الأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة إضافة الى الجمعيات الأهلية ومختلف وسائل الإعلام، فقد أكد الدكتور محمد منير أبو شعر نائب رئيس الجمعية السورية لمكافحة السل والأمراض التنفسية أنه رغم توافر العلاج المناسب والشافي فإن الأوساط الطبية العالمية مازالت عاجزة عن السيطرة على هذا المرض وأعتقد أن السبب الأساسي هو إساءة استعمال الأدوية المتاحة وعدم متابعة الحالات المكتشفة حتى الشفاء التام، إضافة إلى عوامل إدارية دفينة واقتصادية واجتماعية، مؤكدا أن مرض السل يمكن الشفاء منه بفضل الوقاية عبر اللقاح، وبفضل الأدوية الحديثة المتوفرة مجانا لكل المرضى. فالجمعية تعمل منذ تأسيسها عام 1953 على مكافحة مرض السل، بالإضافة إلى مكافحة الأمراض النفسية بعد تعديل اسمها عام 1988 بالتشارك مع وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والاتحاد الدولي لمكافحة السل فعملت على إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية على مساحة الوطن. مشيرا إلى ما تقدمه الجمعية للمرضى المصابين بالسل والذين هم قيد المعالجة من مساعدات مالية شهرية طيلة فترة العلاج ولمدة ستة أشهر وذلك بموجب إحالات موثقة من دائرة مكافحة السل في وزارة الصحة كما تقوم بنشر التوعية والتثقيف الصحي.
تتشابه الأعراض
من جانبه بين الدكتور حازم بقلة أمين سر جمعية مكافحة السل والأمراض التنفسية: أن الجديد في موضوع السل من ناحية الإصابة هو حدوث المقاومة الجرثومية بسبب تكون فصائل من البكتيريا المسببة للمرض تتمتع بقدرة هائلة على مقاومة الأدوية الخاصة بعلاجه، والمحزن أن أغلب حالات الوفاة بالسل يمكن إنقاذها وتلافي حدوثها وأن أكثر الضحايا هم من سن الشباب ما بين 25 و- 49 سنة، مشيرا أنه ليس بالضرورة أن تظهر الأعراض لدى كل مصاب، إلا أن هناك عوارض عامة تكون موضع الشك بوجوده وتظهر في صورة سعال مستمر أكثر من أسبوعين وارتفاع في درجة الحرارة وتصبب العرق مساء وفقدان الشهية ونقص الوزن ومعاناة المريض من اضطرابات المعدة وعسر الهضم وإحساس بالإرهاق وقلة النشاط وصعوبة التنفس لدى القيام ببذل أي مجهود مع الإحساس بألم في الصدر، ووجود دم في البصاق أثناء السعال وذلك في مراحل متقدمة من المرض، وهذا العارض هو الذي يثير مخاوف المريض ويدفعه لمراجعة المراكز المختصة.
ميساء الجردي
التاريخ: الجمعة 19-4-2019
رقم العدد : 16961

آخر الأخبار
جودة طبيعية من دون غش.. منتجات الريف تصل المدن لدعم الصناعة السورية.. صفر رسوم للمواد الأولية أرخبيل طرطوس.. وجهات سياحية تنتظر الاهتمام والاستثمار مركزان جديدان لخدمة المواطن في نوى وبصرى درعا.. تنظيم 14 ضبطاً تموينياً اللاذقية: تشكيل غرفة عمليات مشتركة للسيطرة على حريق ربيعة الشعار يبحث تحديات غرفة تجارة وصناعة إدلب شراكة لا إدارة تقليدية.. "الإسكان العسكرية" تتغير! حمص.. 166 عملية في مستشفى العيون الجراحي أسواق حلب.. معاناة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة مهارات التواصل.. بين التعلم والأخلاق "تربية حلب": 42 ألف طالب وطالبة في انطلاق تصفيات "تحدي القراءة العربية" درعا.. رؤى فنية لتحسين البنية التحتية للكهرباء طرطوس.. الاطلاع على واقع مياه الشرب بمدينة بانياس وريفها "الصحة": دعم الولادات الطبيعية والحد من العمليات القيصرية المستشار الألماني الجديد يحذر ترامب من التدخل في سياسة بلاده الشرع: لقاءات باريس إيجابية وتميزت برغبة صادقة في تعزيز التعاون فريق "ملهم".. يزرعون الخير ليثمر محبة وفرحاً.. أبو شعر لـ"الثورة": نعمل بصمت والهدف تضميد الجراح وإح... "الصليب الأحمر": ملتزمون بمواصلة الدعم الإنساني ‏في ‏سوريا ‏ "جامعتنا أجمل" .. حملة نظافة في تجمع كليات درعا