ارتفعت حدة التهديدات الأميركية ضد إيران في الآونة الأخيرة بحيث باتت المنطقة على موعد مع تصعيد خطير جداً في حال مضت واشنطن قدماً في تنفيذ تهديداتها بتصفير صادرات النفط الإيرانية، فالموعد الأميركي المضروب لتطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بات قريباً جداً، إذ تعتزم إدارة ترامب الخارجة على القانون الدولي والشرعية الدولية الإقدام على جريمة جديدة ضد الإنسانية من حجم حرمان إيران من تصدير نفطها الخام الذي يعد الرافد الحيوي لاقتصادها الوطني بنحو 50 مليار دولار سنوياً أو ما نسبته 80% من عائداتها الاقتصادية، وما يعنيه ذلك من حرب تجويع همجية أميركية سيتم فرضها على الشعب الإيراني بذرائع وحجج واهية لم تعد تقنع أحدا في هذا العالم سوى الكيان الصهيوني الذي يعتبر المحرض الأكبر على إيران وداعميه في مؤسسات صنع القرار الأميركي، إضافة إلى بعض المشيخات الخليجية التي تستخدمها واشنطن كوقود في صراعاتها الدولية ومشاريعها الخبيثة حول العالم والمرشحة حالياً لتعويض السوق النفطية عن حصة إيران.
إدارة ترامب التي تفرض حظراً جزئياً على الصادرات الإيرانية من النفط الخام منذ تشرين الثاني الماضي حيث قدمت إعفاءات مؤقتة لثمان دول تستورد النفط الإيراني، تريد بدءاً من يوم الثاني من أيار القادم تطبيق وقف كلي للصادرات النفطية الإيرانية، وفي هذا الإطار أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وقف إعفاءات شراء النفط الإيراني التي حصلت عليها 8 دول في كانون الأول الماضي، وفرض عقوبات على أي دولة تستورد نفطًا منها بحلول الثاني من الشهر المقبل، مشددًا على أنه لن تكون هناك فترة سماح للالتزام بالقرار.
في المقابل وفي إطار رد الفعل المشروع على العقوبات الأميركية غير المشروعة اعتبر قائد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي أن هذا العدوان لن يبقى دون رد والأمة الإيرانيّة لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة هذا الحقد الأميركي».
أما الرئيس الإيراني حسن روحاني فوجّه سهامه إلى السعوديّة والإمارات لكونهما ستُعوّضان غياب النفط الإيراني في الأسواق العالمية، وقال إن الدولتين تُدينان بوجودهما لإيران التي رفضت دعم خطط للرئيس العراقي صدام حسين بغزوهما عام 1990، وقال إن الدولتين أصبحتا عدوين للشعب الإيراني بتأييدهما للخطوة الأميركية، أما السيد جواد ظريف وزير الخارجية الذي يزور نيويورك حالياً فقال «على الولايات المتحدة أن تعلم أنّها إذا أرادت دخول مضيق هرمز فعليها التحدث إلى من يحميه وهم الحرس الثوري»، وهي إشارة مبطنة إلى جاهزية الحرس الثوري الإيراني الذي صنفته الإدارة الأميركية مؤخراً «كمنظمة إرهابية» لمواجهة أي نوع من الإجراءات الأميركية العدوانية التي ستضر بمصالح الشعب الإيراني.
بالرغم من غياب أي معطيات حول طبيعة الرد الإيراني على العقوبات الأميركية المزمعة، إلا أن مسؤولين إيرانيين وفي مقدمتهم قادة في الحرس الثوري هددوا بإغلاق مضيق هرمز أمام صادرات النفط عبر الخليج والمقدرة بنحو 18 مليون برميل يومياً، حيث أكد الجنرال علي رضا تنكسيري قائد سلاح البحرية في الحرس الثوري بأن جيش بلاده سيغلق هذا المضيق إذا جرى منع تصدير النفط الإيراني.. وقال ما مضمونه « وفقاً للقانون الدولي فإن مضيق هرمز ممر بحري وإذا مُنعنا من استخدامه فسوف نغلقه».
وردا على التصريحات الإيرانية اعتبر مسؤول كبير بالإدارة الأميركية أن أي تحرك من إيران لإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي رداً على ما سماه إنهاء الولايات المتحدة إعفاءات شراء النفط الإيراني لن يكون مبرراً ولا مقبولاً.
وبعيداً عن التسميات والمبررات التي تسوقها إدارة ترامب يعتبر قرار تصفير أو حظر صادرات النفط الإيرانية عدواناً عسكرياً بكل المقاييس، لأن الأسطول الأميركي في الخليج ومناطق أخرى سيشرف بنفسه على تنفيذ هذا الحظر ويقوم بتطبيقه وما يعنيه ذلك من احتكاك مباشر بناقلات النفط الإيرانية أو محاولة إغراقها، ما يعني أن المواجهة العسكرية بين الطرفين قائمة ومحتملة وبدرجة عالية جداً، ويبقى السؤال الأهم هنا ماذا لو أقدمت إيران وفي إطار حقها المشروع في الدفاع عن النفس وعن مصالح شعبها على إغلاق مضيق هرمز وهي بحسب محللين عسكريين كثر قادرة على ذلك..؟!
من الناحية العسكرية تستطيع إيران إغلاق المضيق أو تعطيل حركة الملاحة فيه، حسب رأي خبراء في الملاحة البحرية، وفي هذا الصدد، يرى البروفسور الأميركي روكفورد ويتز، أن الجيش الإيراني لا يحتاج إلى قدرات عسكرية كبيرة لإغلاق الممر، إذ من الممكن أن يضرب السفن التجارية بالصواريخ أو استخدام القوارب البحرية أو الغواصات أو حتى الألغام البحرية. وبالتالي يمكن تعطيل الحركة الملاحية وإحداث أضرار بالغة بالحركة التجارية أو حتى توقفها تماماً لفترة.
وفي هذه الحال، يقول البروفسور ويتز الخبير في الممرات المائية، في دراسة له، نشر مقتطفات منها موقع «ذا كونفرسيشن» الأكاديمي، سترتفع أسعار التأمين على السفن والشحنات التجارية التي تمر عبر المضيق بمعدلات جنونية، ربما تجبر العديد من الشركات العالمية على تعليق مرور سفنها وحمولاتها التجارية عبر المضيق. وأشار ويتز، في هذا الصدد، إلى أن أسعار التأمين على السفن والشحنات التجارية التي تمر عبر مضيق هرمز، ارتفعت بمعدل 400%، أثناء الحرب العراقية الإيرانية في العام 1980.
أما من الناحية القانونية يعتبر مضيق هرمز في نظر القانون الدولي جزءاً من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه، ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها، ومادامت الولايات المتحدة ستتعرض لناقلات النفط الإيرانية وتمنعها من عبوره وهو مس مباشر بأمن إيران ومصالح شعبها فمن حقها الدفاع عن نفسها، لأنها تتمتع بنفس حقوق الدول الأخرى في تصدير نفطها، وبالتالي فإن أي إجراء تقوم به واشنطن ضد إيران هو عدوان على الشرعية الدولية ولا تقره الأمم المتحدة، ويأتي في إطار سياسة عدائية أحادية الجانب تحقق مصالح جهات أخرى ليس لها إطلالة على الخليج، في حين يعتبر قرار السعودية والإمارات بتعويض السوق النفطية عن النفط الإيراني الذي سيتم حظره هو مشاركة في العدوان على إيران.
من المفارقات الغريبة والمثيرة للسخرية أن ترامب يعتبر مضيق هرمز ممرا دوليا يجب أن يظل حراً ومتاحًا لكل الجهات التي تستخدمه، وأن إغلاقه يشكل اختراقًا للقانون الدولي، في حين لا يرى في العقوبات التي يفرضها على إيران والتي من المحتمل أن تساهم في تجويع ثمانين مليون إيراني ما يتعارض مع هذا القانون الدولي، وكأنه يحق لأميركا ما لا يحق لغيرها أو أنها فوق القانون الدولي..!
ما من شك في ظل وجود شخص يتمتع بكل هذه الوقاحة والفجور مثل ترامب في البيت الأبيض يمكن أن تنزلق المنطقة إلى حرب جديدة في أية لحظة، ولكن السؤال هل ستكون المصالح الأميركية في مأمن، ثمة من يرى أن الأهداف الأميركية كثيرة فيها ويمكن أن تستهدف إذا أشعلت واشنطن فتيل الحرب مع إيران، إذ أن هناك جنودا وقواعد أميركية في العراق، إضافة إلى نحو ألفي جندي أمريكي شمال وشرق سورية، والعديد من القواعد الجوية والبحرية الأمريكية في الكويت وقطر والإمارات والبحرين والسعودية، ومن غير المستبعد أن تكون هذه القواعد وجنودها هدفًا لهجمات إيرانية إذا اشتعلت الحرب.
المنطقة تعيش فترة حرجة بسبب التهديدات الأميركية على إيران ومن الضروري والواجب أن يتحرك المجتمع الدولي لكبح جماح واشنطن المتهورة، لأنه لن يكون بوسع أحد مستقبلاً وقف أو التقليل من التداعيات الكارثية التي يمكن أن تنتج عن مثل هذه الحرب، فهل يفعل أم يترك المنطقة لمصير أسود..؟!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الجمعة 26-4-2019
الرقم: 16965