جلّ همهم ايصال معاناتهم عبر صوت مسموع يوصل لاقتراح أو حل ولو كان مؤقتاً ريثما تعود المياه إلى مجاريها والسرافيس إلى نشاطها المعهود وترجع أيام البحبوحة التي كانت قبل سنوات الحرب العجاف، إنهم المواطنون الذين التقيتهم في طريقي إلى جريدتي، فهذه المرة معاناتهم ليست «نقلية « ولا تخص وزارة النفط بل أزمات نفسية اجتماعية لاسيما حين يغيب الوعي وتغفو عين الرأفة من أصحاب القرار.
فما لا يشعر به أرباب العمل والعلم، الضغط النفسي والمادي الذي يعيشه الموظف أو الطالب أثناء انتظاره لوسيلة نقل تقله إلى مركز عمله أو دراسته، والسلوكيات والقيم التي قد تبدو غريبة والتي أفرزتها الأزمة، مثلا يعاني رامي سنة أولى هندسة ميكانيك من /توبيخ/ أحد دكاترة الجامعة في حال تأخر عن محاضرته غير آبها استاذه «بالمشوار الريفي الطويل» الذي يقضيه الطالب من أشرفية صحنايا مكان إقامته إلى دمشق العاصمة، فأحيانا يتشارك المنتظرون الصابرون على الطريق العام الدفع لسيارة الأجرة فيما بينهم ويركبون «تاكسي بسرفيس»، فيها يتبادلون همومهم والمعاناة اليومية للوصول إلى مبتغاهم، لكن جل ما لا يستوعبونه رغم إدراكهم بما تمر به البلاد من عقوبات اقتصادية أن من يتحدثون عن الأزمة لا يقدرون معاناة المواطن الصامد المتأقلم مع كل الظروف « يعني لا بدنا نرحم ولا نخلي رحمة الله تنزل» وكأنهم يمتلكون ساعة «بيج بن « ويحاسبون بها من كان حظه عثيرا في إيجاد فرصة ركب.. وإن قلنا العمل في القطاع العام أوفر حظاً من غيره لاسيما أن المواصلات مؤمنة تبقى «العترة» وكما تقول/ هند/ عاملة الخياطة على العمال المياومين، فهي تشتري وقتها وتوفر على نفسها الكلام الجارح والمؤذي لاسيما أن صاحب المعمل لا يقدر بحثها اليومي عن وسيلة نقل وتبقى عبارته الشهيرة عالقة في ذهنها «طلعي من بيتك بكير بتلاقي سرفيس»، على عكس ما تقوله /مروى/ فرغم استيقاظها المبكر للوصول إلى معهدها الهندسي في منطقة العباسيين إلا أنها لا تلقى نتيجة والانتظار ذاته، فلا تجدي عقارب الساعة أي نتيجة في لحظة انتظار وترقب.
ومن الحالات اليومية التي تسبب رضوضا نفسية واجتماعية ومادية والتي اعتدنا سماعها من نبض الشارع وثرثرته المعهودة، التأسف على أيام «بطريقك خدني» أو توصيلة «ببلاش» كما يسمونها، فيتشارط صاحب السيارة الخاصة /محمد المحامي/ وهو ينادي « برامكة « على أجرة الركوب والاتفاق على نقطة معينة ..مركز عمله، «هيك بيضرب عصفورين بحجر» يصل إلى مكان عمله، ويحصل على ثمن البنزين المدفوع.. تذهب رهجة البذة التي يرتديها في عين الركاب مع الريح…
رنا بدري سلوم
التاريخ: الأربعاء 15-5-2019
الرقم: 16978