ثقافة الخجل ،وعدم الثقة والتحفظ من الطب النفسي مازالت تعشش في أذهان البعض جهلاً بأهمية العلاج النفسي لاضطراب سلوكي قد يؤثر على صحتنا الجسدية وينعكس سلبا على أدائنا الحياتي وعلاقاتنا بمن حولنا وخصوصا أفراد الأسرة،اضطراب قد يتطور ويتفاقم ولا خير حينئذ في وصول متأخر لعيادات الطب النفسي ولاسيما بعد لجوء بعض من يعانون من هذه الاضطرابات إلى المشعوذين والدجالين طلبا للراحة النفسية.
ارتياد العيادات النفسية عقدة بحد ذاتها تحتاج إلى كثير من الوعي الصحي النفسي وتتحمل الدراما جزءا من المسؤولية المشتركة لتصدير هذا الوعي، ولكن الواقع أنها ساهمت في تشويه صورة الطب النفسي إذ غالبا ما تلصق به صفات سيئة ويكون المريض إنسانا منبوذا من أسرته والمجتمع ..ويتوجس المريض من العيادة النفسية بأضوائها الخافتة وموسيقاها الهادئة وسريرها المثقل بأسرار الوجع والهموم كما تصوره هذه الدراما خلاف الواقع.
أكدت مديرية الصحة النفسية الدكتورة هتون الطواشي مديرة الصحة المدرسية في وزارة التربية ،مشرفة على برنامج رأب الفجوة أن عدد حالات الاضطراب النفسي، مقارنة بعدد سكان سورية وما تعرضوا له من ويلات الحرب ،هو رقم كبير مقارنة بعدد الأطباء النفسيين الذين لا يتجاوزون السبعين طبيبا ولا يستطيعون تقديم الخدمة النفسية لكل هؤلاء الأشخاص ،من هنا كان برنامج رأب الفجوة..تقول د.الطواشي:أطلقت منظمة الصحة العالمية هذا البرنامج بكل العالم حتى تستطيع تقديم خدمات الصحة النفسية ضمن خدمات الرعاية الصحية الأولية في الدول كلها ،وعلى سبيل المثال عندما يأتي مريض ضغط أو سكر أو سيدات حوامل للمراجعة إلى مراكز الرعاية الصحية ورعاية الطفولة والأمومة ،يتم رصد حالتهم النفسية التي قد تصاحب هذه الأمراض وكشفها وتقديم الدعم المناسب دون أن يشعر المريض بأي خجل أو إحراج لأن أطباء الرعاية الصحية هم من يقدمون هذه الخدمة بعد تدربهم على هذا البرنامج في ورشات يتلقون فيها الخبرة لمعرفة المعالجة النفسية بالصورة الصحيحة.
بالبداية وفي عام 2011 دخل البرنامج عن طريق جمعيات الهلال الأحمر والأطباء الاختصاصيين ومن ثم إلى الوزارات،وزارة الصحة أولا وفي العام الحالي حضر هذا البرنامج في وزارة التربية (الصحة المدرسية)حيث تم تدريب أطباء عامين في المستوصفات حوالي 200طبيب بإشراف مدربين من المنظمة وأطباء نفسيين على الاضطرابات النفسية الأكثر حدوثا، عشرة مواضيع على مرحلتين ..كل مرحلة خمسة أيام. وعن رجع الصدى لهذه الورشات تؤكد د.الطواشي أن كثيرا من الحالات تم رصدها عندما طبق الأطباء المتدربون هذه الخدمة النفسية وذلك من خلال الطلاب المرضى الذين يزورونهم لعارض صحي جسدي وكذلك الكادر التعليمي ،حالات وضعت على طاولة النقاش مع الأطباء النفسيين ليبدأ من بعدها التطبيق الفعلي للعلاج وتكتمل الخدمة (رصد _تشخيص _علاج).
وبالتوازي مع رأب الفجوة كان هناك أيضا برنامج (خدمة علاجية)لتقديم الدعم النفسي من خلال تدريب مرشدين نفسيين وعلى عدة مراحل وهؤلاء يداومون في المجمع التربوي لتقديم الخدمة بالتعاون مع الأطباء النفسيين من جهة والمرشدين الاجتماعيين في المدارس من جهة أخرى، والطموح وجود عيادات نفسية ضمن مستوصفات وزارة الصحة والتربية لتقديم الدعم النفسي العلمي المدروس في الوقت والمكان المناسبين وبالطريقة الصحيحة حتى يؤتي ثماره وهذا هدف برنامج رأب الفجوة.
عدم التردد بطلب المساعدة النفسية
وعن التدخل الطبي النفسي الآني تضيف الطواشي:
لا يقل الإسعاف النفسي الأولي أهمية عن خطوات الإسعاف الجسدي وتكمن ضرورته في حالات الكوارث والحروب وما ينتج عنها من صدمات نفسية آنية بحاجة إلى مسعفين حاضرين للتخفيف من حدة هذه الصدمة وتداعياتها على مستقبل هؤلاء الأشخاص ،هذه الخدمة النفسية التي أكدت على أهميتها وضرورتها وزارة التربية عبر دورات تدريبية للممرضات تمكنهم من تقديم الإسعاف النفسي الأولي ليس فقط في الكوارث والحروب ،ففي امتحانات الشهادات يكون الطلاب بأشد الحاجة إلى هذا البرنامج وهناك حوالي 25 ممرضة بدمشق على دراية ومعرفة وخبرة بهذه الخدمة ،يداومون في مراكز الطوارئ المجهزة بسيارة إسعاف وطبيب وممرضتين لتلبية الحاجات النفسية الأولية لأي اضطراب نفسي مفاجئ .
وتتوجه د.هتون للأهالي بضرورة عدم التردد لزيارة أي مركز صحي للمساعدة النفسية لهم ولأبنائهم في حال أي شكوى جسدية أو نفسية أو تصرف سلوكي خاطئ على محمل الجد، وعلى سبيل المثال عندما يسبب فرط النشاط الحركي لأطفالنا معاناة للأهل يجب عليهم الاستشارة النفسية لتقديم الدعم المناسب في الوقت المناسب ومن الشخص المناسب ،فالاستقرار النفسي سبب السعادة والإبداع والتجاوب مع المجتمع.
رويده سليمان
التاريخ: الجمعة 24-5-2019
الرقم: 16985