اود ان استهل هذا الموضوع ، بعرض الرسالة القيمة الشاملة لمناحي التعامل القضائي التي بعث بها الخليفة الثاني امير المؤمنين عمر بن الخطاب – الفاروق- وسُمي بهذا لعدالته، الى القاضي عبد الله بن قيس أبي موسى الاشعري سنة 17 هجري الموافق لعام 639 ميلادي.
هذه الرسالة، تعتبر مستنداً للاحكام واصدارها وتنفيذها وعدالة التقاضي، وعبء الاثبات واصالة الحق والصلح وشروطه واحوال المتقاضين واهلية الشاهد والحكم على الظاهر وحدود الاجتهادات واخيراً تدلل على أدبيات القاضي ومسؤوليته أمام الله وكذلك ثوابه.
( سلام عليك – اما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة.
فافهم اذا أدلي اليك وانفذ إذا تبين لك فانه لاينفع تكلم بحق لانفاذ له آسِ بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لايطمع شريف بحيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك فالبينة على من ادعى. واليمين على من انكر والصلح جائز بين الخصوم… إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً.. ولايمنعك قضاء قضيته اليوم، فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك ان ترجع الى الحق.. فان الحق قديم .. ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
الفهم.. الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله.. ثم اعرف الأشباه والامثال فقس الأمور عند ذلك بنظائرها.. واعمد الى أقربها الى الله واشبهها بالحق .. واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة أمدا ينتهي اليه، فان احضر بينته اخذت له بحقه.. والا استحللت عليه القضية .. فان ذلك أنفى للشك.. وأجلى للعمى.. وأبلغ في العذر.
المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرياً عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو نسب فان الله قد تولى منكم السرائر ودرأ بالبينات والايمان.
واياك والغلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات .. فان الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذخر.
فمن صحت نيته واقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس.. ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله.
فما ظنك بثواب عند الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام).
لاشك من خلال سرد هذه الرسالة نجدها تأتي في قمة أدب القضاء من حيث التنظيم والترتيب والتبويب ومن حيث الموضوع وتلخيص الأقوال الفقهية وبيان الأوجه في احكام القضاء والدعوى والاثبات والأحكام.
حيث تكلمت الرسالة عن صفة القضاء وفضله والنصوص والآثار الواردة فيه كذلك تبين مايجب على الحاكم في الخصوم والشهود وأرباب المسائل والبينات والقواعد الشاملة التي يسير على منوالها القاضي والفقيه تجنبا للثغرات التي تكون سببا للاختلاف.. وهي بايجاز في مجملها مسائل وقواعد كلية كثيرة التداول لدى الحكام في واقعنا الحالي ، كثيرة النفع لمن يتعلمها منهم.
المستشار :رشيد موعد
التاريخ: الجمعة 24-5-2019
الرقم: 16985