الثورة – خاص
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، في تحقيق موسّع للصحفية إيزابيل كولز، عن وثائق وشهادات تسلط الضوء على واحد من أكثر الملفات المؤلمة في سوريا: اختفاء آلاف الأطفال منذ اندلاع الثورة عام 2011، في حملة ممنهجة نفذها نظام بشار الأسد.
وتصدّرت قصة عائلة عبد الرحمن ياسين واجهة التحقيق، بعدما خُطف هو وزوجته طبيبة الأسنان رانيا العباسي وأطفالهم الستة عام 2013، ولم يظهر أي أثر لهم حتى الآن، باستثناء صورة جثة عبد الرحمن التي ظهرت ضمن تسريبات “قيصر”، وأكد التحقيق نقلاً عن تقديرات حقوقية، أن أكثر من 3700 طفل مازالوا في عداد المفقودين منذ بداية الحرب.
بدأت القصة في 9 مارس/آذار 2013، عندما داهمت أجهزة المخابرات منزل عبد الرحمن ياسين في دمشق واعتقلته، بعد يومين فقط، عادت القوة ذاتها لاعتقال زوجته رانيا، بطلة سوريا في الشطرنج، برفقة أطفالهم الذين تراوحت أعمارهم بين عام و14 عاماً.
لاحقًا، تسرّبت صورة جثة عبد الرحمن ضمن أرشيف “قيصر”، المصوّر العسكري المنشق الذي سرّب آلاف الصور لجثث معتقلين قضوا تحت التعذيب. أما مصير زوجته وأطفاله الستة فلا يزال مجهولًا.
تطرّق التحقيق إلى وثائق سرّية تشير إلى أن مئات الأطفال فُصلوا عن عائلاتهم وأودعوا في دور أيتام من دون أي توثيق رسمي. إحدى الوثائق ذكرت بشكل غير مباشر احتمال نقل أطفال عائلة ياسين إلى منظمة “قرى الأطفال – SOS”، وهي جمعية دولية تعمل في سوريا. وبين عامي 2014 و2018، استلمت الجمعية 139 طفلًا بلا أوراق رسمية، وأُعيد معظمهم لاحقاً إلى سلطات الأمن التابعة للنظام، ما عزّز شكوك العائلة بإمكانية إدراج أطفال ياسين ضمن هذه الحالات.
نائلة العباسي، شقيقة رانيا، قادت جهود البحث التي وصلت إلى حد تفحّص صور الأطفال في مواقع دور الأيتام. في إحدى الصور، ظهر طفل يُدعى “عمر عبد الرحمن”، بدا شديد الشبه بأحمد ياسين، الذي كان في الخامسة من عمره لحظة الاختطاف. لكن اختبار الحمض النووي أثبت لاحقاً أنهما ليسا الشخص نفسه.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية بالحكومة السورية الجديدة، قولهم إن وثائق أجهزة الأمن تشير إلى نقل نحو 300 طفل إلى أربعة دور أيتام في دمشق وحدها، من دون تتبع لاحق لمصيرهم. وتحدثت مديرة دار “الرحمة”، براء الأيوبي، عن تلقي مؤسستها لأكثر من 100 طفل من أبناء المعتقلين، مع منع صارم من الإدلاء بأي معلومة عنهم.
يأتي هذا التحقيق في ظل استمرار الكشف عن مقابر جماعية، وتزايد تحذيرات المنظمات الدولية من أن تجاهل ملف المفقودين سيُبقي الجراح السورية مفتوحة، وعلّقت كاثرين بومبرغر، المديرة العامة للجنة الدولية للمفقودين، بأن “الفشل في معالجة هذا الملف قد يؤدي إلى موجات عنف جديدة”.
وفي محاولة أخيرة، استعانت عائلة ياسين بتقنيات الذكاء الاصطناعي لرؤية كيف سيبدو الأطفال اليوم، بعد 12 عاماً من الغياب، لكن الصور الرقمية – تقول الصحيفة – “لم تأتِ إلا بحزن جديد حين لم تتطابق الوجوه”، واختتم التحقيق بمشهد مؤثر: نائلة العباسي تحدق في صورة قديمة لأحمد، واضعاً تاجاً ورقياً فوق رأسه، وقالت بعبارة تختصر سنوات الفقد والمعاناة:
وكانت أصدرت “الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان” بياناً دعت فيه إلى فتح تحقيق عاجل وشامل مع الجمعيات التي أحالت الأجهزة الأمنية عشرات الأطفال إليها، وأضافت أنَّ لديها قوائم موثقة تضم قرابة 3700 طفل مختفٍ قسرياً على يد نظام الأسد.
وأشار البيان أنَّه على مدى أربعة عشر عاماً، قام نظام الأسد باعتقال آلاف الأطفال، سواءً كانوا برفقة عائلاتهم أو بمفردهم، وتشير قاعدة بيانات الشبكة إلى أنَّ 3,700 طفل على الأقل مازالوا في عداد المختفين قسرياً منذ آذار/مارس 2011، بعد اعتقالهم من قبل نظام الأسد، ورغم فتح السجون عقب سقوط نظام الأسد، لا يزال مصير هؤلاء الأطفال مجهولاً.