قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟

أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي

تداول نشطاء وصحفيون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر جولة لمحافظ حماة “عبد الرحمن السهيان”، في إحدى الحدائق العامة في المدينة بمناسبة عيد الأضحى، والذي فوجئ والوفد المرافق له بوجود عدد من الأطفال تحت سن الرشد يدخنون الأراكيل المضرة لصحة أجسادهم في مقهى عام، في مشهد يرسم واقع الصورة الهشة للطفولة المعذبة في سوريا.

خلال سنوات الحرب، كان الأطفال الحلقة الأكثر ضعفاً وهشاشة، عانوا القتل والتشريد والجوع في الحصار، ولم تسلم منازلهم ولا مدارسهم من قصف نظام ، الأسد وحلفائه، لكن ليس هذا وحده ماخطط له نظام الأسد، بل ركز بشكل رئيس على قتل الطفولة وتجهيل الجيل الناشئ ودفنه قبل ولادته، فشب الأطفال على البؤس لامدارس تعلمهم، تشردوا في الشوارع بحثاً عن لقمة العيش لإعالة عائلة وجدوا أنفسم مسؤولين عنها.
وجد آلاف الأطفال أنفسهم وسط الشوارع والأزقة باكراً، عانوا مرارة العمل والتشرد والنزوح، واجهوا تحديات كبيرة لايمكن لرجال أن يتحملوها، فكان هؤلاء الأطفال رجالاً كباراً بعقولهم ونظرتهم لأنفسهم، رغم أن أجسادهم لاتزال صغيرة وهشة، ومع غياب التوعية وتدمير بنية المجتمع، وزوال عائلات بأكملها، ظهر جيل جديد لاينتمي لنفسه، يقلد غيره ويتبعه دون أن يشعر، يظن نفسه كبر فوق عمره.
لم يكن الضرر جسدياً فقط، فآلاف الأطفال الذين شهدوا القصف ودفنوا أحبّاءهم، لم يخرجوا من تلك اللحظات كما دخلوا، لقد تم قتل “الطفل” في داخلهم، كما أن الصدمة النفسية التي تعرّض لها هذا الجيل أحدثت ندوباً طويلة الأمد: القلق المزمن، التبول الليلي، نوبات الغضب، العزلة، والاكتئاب … إلخ.
هذه ليست استجابات عابرة، بل نتائج مباشرة لحرب استخدم فيها النظام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية دون رحمة، وضرب فيها المدارس والمستشفيات كما لو أنها أهداف عسكرية مشروعة، ألقت بأثر كبير على جيل طويل من الأطفال المعذبين، حرموا من أبسط مقومات الحياة وحقوقهم فيها، فكبروا قبل موعدهم.
وفي ظل غياب التوجيه، وجد الأطفال أنفسهم في بيئات يغيب فيها القانون، وتنتشر فيها الجريمة، والتسول، والعنف المنزلي، وحتى تجنيدهم في صفوف جماعات مسلحة، لا إطار يضبط السلوك، ولا قدوة تنير الطريق، وبهذا، تمزقت الروابط الأسرية، وتآكلت القيم، وأُعيد إنتاج واقع اجتماعي مريض، لا يحمل سوى الغضب والتشظي.
إن ما تعرض له أطفال سوريا منذ عام 2011، وتحديداً على يد نظام الأسد، ليس مجرد “تداعيات حرب”، بل جريمة ممنهجة تهدف إلى كسر بنية المجتمع من قاعدته: الطفولة، لقد زرع هذا النظام الخوف في نفوس الأطفال، والدمار في عقولهم، والشتات في هوياتهم، وإنقاذ هؤلاء الأطفال بات ضرورة ملحة وتحديأً كبيراً للحكومة السورية الجديدة، لإعادة بناء منظومة تعليمية واجتماعية تحميهم وتعيد لهم ما سُرق منهم قسراً وهي “طفولتهم”.
ما أظهره الفيديو المتداول لمحافظ حماة وهو يفاجأ بأطفال يدخنون الأراكيل في أحد المقاهي، لا يجب أن يُقرأ فقط كحادثة فردية، بل كنافذة على واقع مأساوي تُسلب فيه الطفولة في وضح النهار، تحت أنقاض الحرب، تتطلب حراكاً حكومياً عاجلاً لحماية هذا الجيل من الانهيار السلوكي والتعليمي والاجتماعي، فإغلاق المقهى هو إجراء ضروري لضبط مخالفة، لكنه لا يعالج أصل المشكلة، بل يغطيها مؤقتاً.
يحتاج جيل طويل في سوريا مابعد الحرب إلى إعادة تأهيل نفسياً واجتماعياً، لأن جيل نشأ في الحرب، وسط النزوح والفقر والقصف، لا يمكن أن يُترك دون برامج دعم نفسي تعيد ترميم ما كُسر في داخله، ولا يكفي منعه من تدخين الأركيلة، بل يجب أن يُفهم لماذا لجأ إليها، وما الذي افتقده ليجد فيها “متنفسه”، ومنح الأطفال الأمن، والرعاية، والتعليم، والقدوة، هو الطريق الوحيد لإنقاذ ما تبقى من مستقبل هذه الطفولة المعذبة.

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار