الثورة – إيمان زرزور
تحمل شعيرة الأضحية في عيد الأضحى المبارك، بعداً أعمق من كونها طقساً دينياً، فهي تجسيد لمعاني التقوى والنية الصادقة، كما تعبّر في جوهرها عن قيم العطاء والتكافل الاجتماعي التي يُعليها الإسلام، وتُترجم إلى أفعال تلامس حياة الفقراء والمحتاجين في كل مكان.
قال تعالى: “لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم” [سورة الحج: 37]، بهذه الآية، يوضح القرآن أن القصد ليس في اللحم ولا في الدم، بل في إخلاص النية، وتقوى القلوب، وفي ما تحمله الأضحية من قيم إنسانية واجتماعية.
الأضحية سنة مؤكدة عن النبي محمد ﷺ، وهي ليست مجرد عمل تعبّدي، بل فرصة عملية لتجسيد معاني الرحمة والتوسعة، على النفس والأهل والفقراء، ففي كل عيد، يتقرب المسلمون إلى الله بذبح الأضاحي، ويُوزَّع جزء كبير منها على المحتاجين، في صورة من صور العدالة الاجتماعية التي يكاد ينفرد بها العيد، إنها لحظة تذكّر فيها الأسر الميسورة أن هناك من لا يذوق اللحم إلا مرة في العام، ومن يرى في “كيس لحم العيد” رمزاً لكونه مازال حاضراً في ضمير مجتمعه.
في سوريا، تحوّلت الأضحية إلى فرصة للقاء بعد غياب طويل، لقاء يجمع الأحبة والأهل والجيران، ووسيلة لتخفيف الأعباء عن آلاف العائلات مع محدودية الموارد والفقر، فكثير هم الذين فضلوا الانتظار لسنوات لينالوا فرحة ذبح الأضحية بين أهلهم وفي ديارهم ويحتفوا مع الجميع في هذه الشعيرة، معلنين انتهاء الحرب والبعد والعودة لعادات وتقاليد الأجداد في الاجتماع والتكافل.
تتكفّل جمعيات خيرية ومبادرات شبابية بجمع التبرعات لذبح الأضاحي وتنظيم توزيعها على الأسر الأكثر احتياجاً، عبر فرق تطوعية تقوم بعملية الذبح وفق الضوابط الشرعية، ثم تسلم الحصص بعدالة تحفظ كرامة المستفيدين في المخيمات والقرى والبلدات، تعطي هذه الفعاليات بهجة لكل مبعد عن أرضه، بأن هناك من تذكرك ولم ينسك، ولم ينسَ أن يرسم البسمة على وجوه الأطفال في يوم العيد.
يقول أحد المتطوعين: “قد لا أستطيع أن أضحّي هذا العام، لكن حين أرى دموع الفرح على وجوه الأمهات وأنا أوزع اللحم، أشعر وكأنني شاركت في هذه السنة العظيمة بروحي وعملي”، أيضاً “أبو محمد” المقيم في تركيا لاجئاً، رفض لسنوات عديدة ذبح أضحيته في بلاد الاغتراب، وكان يتوق إلى اليوم الذي يستطيع أن يعود إلى أرضه ويذبح أضحيته بيده بين أهله وجيرانه وتحقق هذا الحلم في هذا العيد.
الأضحية ليست مجرد شعيرة تُؤدى، بل هي عنوان لعدالة اجتماعية حيّة، ومناسبة لتعميق روح التكافل وتقوية العلاقات بين الناس، إنها تقرّب روحي من الله، وتقرّب إنساني من الآخر، وتُبقي صلة الرحمة قائمة في زمن عزّ فيه التعاطف، وعيد الأضحى لا يتوقف عند حدود التكبير والصلاة، بل يمتد ليكون يوماً تُمارَس فيه أعلى معاني الإنسانية، وتُصنع فيه البسمة من لحمٍ يُوزَّع ويدٍ تُمدّ.
في زمنٍ تزداد فيه الحاجة، تظل الأضحية أعظم ما يمكن أن يُقدّم لأخٍ في الدين أو شريك في الإنسانية، فحين نُشارك غيرنا بركة هذا العيد، نعيد ترتيب أولويات الرحمة، ونُعلن أن الإسلام دين فعل قبل القول، ومشاركة قبل الشعارات.