الثورة – إيمان زرزور
في بلاد أنهكتها الحروب والأزمات وغلاء المعيشة، لا تزال طقوس عيد الأضحى حاضرة في سوريا، تشق طريقها بين الركام والحرمان، لتؤكد أن الفرح فعل مقاومة، وأن ذاكرة الشعوب أقوى من المحن، كيف وعيد السوريين اليوم ليس ككل عيد، يجمع أفراح النصر والعودة للديار ولو كانت مهدمة.
هذا البلد الذي أرهقته السنون الطويلة من العذاب والفقد والمرارة، يأتي العيد كل عام ليمنح السوريين جرعة من الأمل، ويعيد إلى الأذهان طقوساً متجذرة لا تزال تُمارَس رغم كل الظروف، بطريقتها الخاصة وبحجم القدرة، لكنها تحتفظ بمعناها الأصيل: الفرح، الصبر، الرحمة، والتكافل.
ورغم آثار القصف والدمار، لم تغب أصوات “الله أكبر” عن مآذن المدن والمخيمات في صباح العيد، يتوافد الناس إلى الساحات والمساجد، حتى إن كان بعضها وسط أنقاض، ليؤدوا صلاة العيد جماعة، هذا التجمّع يمنح شعوراً بالسكينة والانتماء، ويعيد الروح إلى قلب البلاد الجريح.
عند فجر العيد، يزور السوريون قبور أحبّائهم، يحملون معهم الزهور والفاتحة، وقلوباً مثقلة بالحنين، أصبحت هذه الزيارة طقساً روحانياً يختلط فيه الحزن بالرضا، كأنها محاولة رمزية لإشراك من رحلوا في لحظة العيد، والتمسك برابط لا تقطعه الحرب.
العيد في سوريا لا يكتمل دون الزيارات العائلية، ورغم الأوضاع المادية القاسية، لاتزال العائلات تحرص على تبادل التهاني وتقديم الضيافة، فنجان قهوة، حبات تمر، أو طبق معمول محلي الصنع، يكفي لأن يقول: “نحن بخير رغم كل شيء”.
تقول أم عمار من ريف إدلب الشرقي، إنها عادت مع عائلتها إلى منزلهم المدمر في جرجناز، لتشارك جدرانه المهدمة بزوغ فجر العيد، وتسمع التكبيرات من المآذن المدمرة، وتزور قبور والديها التي حرمت من الوصول إليهم لسنوات، عبرت عن بهجتها وفرحها بمشاركة الجيران لأضحية العيد التي فضت نحرها فوق الركام وتوزيعها على العائدين للديار بعد سنين البعد والتهجير.
من أكثر الطقوس ارتباطاً بالمرأة السورية، هو إعداد كعك ومعمول العيد، ورغم ارتفاع الأسعار وصعوبة تأمين المكونات، تصرّ الكثير من النساء على تحضيره في البيوت، رائحة المعمول وهي تخرج من الفرن لاتزال تعني أن العيد قد دخل إلى المنزل، وأن الأم السورية تصنع الفرح كما تصنع الخبز، بيدين مرهقتين لكن مثابرتين.
يحاول الأهالي، رغم ظروفهم، شراء قطعة ملابس جديدة لكل طفل، وإن كانت بسيطة، بعض الجمعيات الخيرية تنظم حملات لشراء الملابس للمحتاجين، لتمنح الطفل تلك اللحظة الخاصة التي لا ينساها، أما العيدية، فتبقى فرحة رمزية، تكفي لترسم الابتسامة على وجوههم.
“كل عام وأنتم بخير” جملة تتردد على الألسنة رغم انقطاع الكهرباء وخدمات الإنترنت، في القرى والبلدات الريفية، يتبادل السوريون التهاني وجهاً لوجه، إنها طقوس تعيد اللحمة إلى مجتمع أنهكته الفواصل والحدود المؤقتة.
تغيّرت أشكال العيد في سوريا، وربما تراجعت بهجته الظاهرة، لكن جوهره لايزال راسخاً، والأمل يتسلل من بين الأطلال، والفرح يُنتزع من قلب العتمة، فالطقوس التي يتمسك بها السوريون اليوم، ليست مجرد عادات، بل درع رمزي في وجه الانكسار، ورسالة تقول: “نحن هنا، ومازلنا نحتفل”، فالعيد في سوريا لم يعد مجرد مناسبة، بل شهادة حية على أن الشعوب التي تحفظ طقوسها، قادرة على النهوض من الرماد.